مستمرة منذ 45 سنة والمرض الحقيقي هو نهج تنمية عام بائس
القطاع العام منخفض الإنتاجية عالي التكلفة و"الخاص" يتغذى على إنفاق عام
استمرار غياب نظام الشرائح في التسعير وعدم الاستثمار في الطاقة البديلة
قال تقرير الشال إن الكويت تتوق إلى مرور صيف بدون قطع مبرمج للتيار الكهربائي، موضوع الكهرباء ليس موضوعنا اليوم، ولا رداءة البنى التحتية، والطرق مثال لها، ولا حتى التعليم المتخلف في شقيه العام والعالي، ولا عجز الخدمات الصحية، فكلها وغيرها مجرد ظواهر لما لا يمكن اخفائه من نتاج عجز الإدارة العامة، موضوعنا هو ما يحمله المستقبل من اختناقات يعجز المواطن العادي عن تلمس ظواهر لها حتى تصل إلى مرحلة يتعذر معها مواجهتها.
وتابع التقرير أنه لا يمكن حل أزمة الكهرباء لأنها ظاهرة لمرض أكبر وهو نتاج نموذج نمو غير مستدام، فالضغوط على الاستهلاك سوف تتزايد في ظل تبني سياسة توسع إسكاني أفقي، وغياب نظام الشرائح في التسعير، وغياب الاستثمار الجاد في مشروعات الطاقة البديلة وغيرها.
وذكر ان الاستهلاك بالأرقام زاد من نحو 57 تيراواط / ساعة في عام 2010 إلى نحو 91 تيراواط / ساعة في 2023، أو بمعدل نمو سنوي مركب بنحو 3.3%، بينما حقق الاقتصاد نمواً مركباً لنفس الفترة بحدود 2.7%، ومنذ عام 2017 كان معدل نموه السنوي سالب، وزاد الاستهلاك بنحو 4% إضافية في عام 2024، ووتيرة نمو الاستهلاك لن تتغير في عام 2025 وما بعده، وهي وتيرة غير مستدامة. ولن تعالج أزمة التعليم لأنها ظاهرة مرضية لسوق عمل صوري غير مستدام، فالقطاع العام يوظف، أو ملتزم بتوظيف، نحو 86% من العمالة المواطنة، والتخصص لا علاقة له بحاجة السوق، ولا المستوى التعليمي يجعل الخريج ينافس على فرص العمل خارج القطاع العام، فالنموذج التنموي للبلد ومعه نظام التعليم، عاجزان عن خلق فرص عمل مواطنة حقيقية. وأسوة بالتعليم، الكويت واحدة من أعلى دول العالم صرفاً على الخدمات الصحية، ورغم كرم العلاج السياحي بالخارج، ونظام تأمين عافية الذي تم إلغائه، ومستشفيات الضمان الصحي، ما زالت إدارتها عاجزة عن منافسة مستوى خدمات دول تنفق أقل بكثير منها. ولن تعالج أزمة التركيبة السكانية بضغوطها على الخدمات الأخرى، ومنها الكهرباء، والطرق والخدمات الصحية والمالية العامة، لأن نموذج النمو الحالي يغذي توسعة تلك الاختلالات.
واوضح ان التركيز على ظواهر الأمراض والعجز عن الوعي بالمرض الذي يسببها هي أزمة الإدارة العامة في الكويت، فالأمراض الحقيقية هي اختلالات الكويت الهيكلية الأربعة، وهي، عدم استدامة الاقتصاد بتركيبته الحالية، أو قطاع عام منخفض الإنتاجية عالي التكلفة، وقطاع خاص في معظمه يتغذى على إنفاق عام غير مستدام، وهو نموذج يتسبب في استفحال أمراض ميزان العمالة المواطنة، ويتطلب تركيبة سكانية منحرفة كماً ومنخفضة الكفاءة. وبينما الكهرباء والخدمات والبنى التحتية الأخرى قضايا يسهل تلمس مؤشرات فشلها، لأن الناس تعايش تبعاتها اليومية، يستعصي على المراقب غير المختص معرفة جسامة وخطورة الاختلالات الهيكلية المذكورة حتى تصبح تداعياتها خارج القدرة على المواجهة، وإن كان لأزمة الكهرباء المتصلة نفع، فهو احتمال الوعي بأنها استمرت 45 سنة لأن المرض الحقيقي هو نهج تنمية عام بائس، وأزمتها المتصلة ليست سوى إفراز أو مؤشر له.
الرسوم الجمركية... أثار غير مباشرة على الكويت
ذكر تقرير الشال للاستشارات الاقتصادية الاسبوعي أنه لا تأثير مباشرا على الكويت من فرض رسوم جمركية على صادراتها إلى الولايات المتحدة، ما دامت صادرات النفط ومشتقاته معفية، ولكن التأثير غير المباشر كبير، فإلى جانب حرب الرسوم، خفض أسعار النفط هدف أساسي للإدارة الأميركية. وموازنة الكويت الحالية بنيت على رقمين لأسعار النفط الذي يمول نحو 90% من نفقاتها، الأول سعر التعادل لها والمقدر رسمياً بنحو 90.5 دولار للبرميل، والثاني هو السعر المتوقع للسنة المالية الحالية والبالغ 68 دولارا، وكان سعراً متحفظاً في وقت تقديم مشروع الموازنة وحتى إقرارها، ولم يعد متحفظاً. وفي تاريخ 8 أبريل، وصل سعر برميل النفط الكويتي إلى ما دون السعر الافتراضي المتحفظ وبحدود 64.3 دولار، وأصبحت الفجوة بينه وبين سعر توازن الموازنة العامة نحو 26.2 دولار، بعدها ظل يتأرجح حول السعر الافتراضي.
وأضاف انه مع انخفاض مستوى اليقين حول التداعيات المحتملة للحرب التجارية، يعتبر بلوغ سعر برميل النفط الكويتي حدود السعر المتحفظ للموازنة، جرس انذار، فالكويت عاجزة عن التأثير على مسار أسعار النفط، ومستوى إنتاجها مرتبط بما تقرره "أوبك+". والعجز المقدر في الموازنة الحالية عند السعر المتحفظ بحدود 6.3 مليار دينار، وقد تتجه الكويت إلى الاقتراض من السوق العالمي في وقت قد تؤدي فيه تبعات الحرب التجارية إلى عدم خفض سعر الفائدة على الدولار، ما يعني أن الاقتراض بكلفة مرتفعة هو المتاح حالياً.
وقال إن عجز الموازنة سوف يزيد أو ينقص بنحو 280 مليون دينار مع كل انخفاض أو ارتفاع لسعر برميل النفط بدولار واحد. وخيارات الإدارة المالية باتت محصورة في قدرتها على خفض مستوى النفقات العامة إن أرادت خفض مستوى العجز، ولكن النفقات العامة أصبحت فاقدة للمرونة، فنحو 80% منها رواتب ودعوم، ونحو 91% إنفاق جار، و9% منها فقط للإنفاق الإنشائي، والأرجح أنه البند الذي سوف يتعرض للخفض. ولأن المصروفات الانشائية مصروفات صيانة وبنى تحتية، خفضها يعني زيادة متطلبات التعويض عليها في المستقبل، أو مزيد من الضغوط لزيادة الإنفاق عليها بسبب تأجيلها، إضافة إلى بند جديد متنامي لسداد فوائد وأصل الدين الخارجي.