في الإجراءات الأخيرة لمجلس الوزراء، في ما يتعلق بالمدين، لا نبالغ إذا قلنا إنها تدفع الناس إلى حائط مسدود، لأن الأحكام في الكويت تصبح نافذة من إصدار حكم الدرجة الأولى، بينما الواقع والمنطق القانوني، وكذلك حقوق الإنسان، تفرض ألا يطبق حكم التنفيذ في القضايا المالية، تحديداً، إلا بعد الانتهاء من درجات التقاضي الثلاث.
لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الضغوط كبيرة على المقترض، من ضبط وإحضار إلى منع السفر، والحبس، وأخيراً حجز نصف الراتب، أو كله، وفقاً لبيان إدارة التنفيذ، وفي كل هذا لا يراعى وضع المواطن.
الدولة حين تقطع الراتب عن المقترض، فيما لديه التزامات عائلية كثيرة، وهو كما أسلفنا سابقاً لم يقترض لحاجته، لكنه تعسّر في السداد، لم يهرب، فهي تدفعه إلى أعمال غير مشروعة، لأنها لم تترك له مجالاً لتأمين الحد الأدنى من معيشته، خصوصاً إذا كان راتبه محدوداً، ولم يكن عنده دخل آخر، فمن أين يؤمّن أقساط الطبابة، وتدريس أولاده، بل يأكل؟
هذا السؤال يجب أن يكون لدى من وضع مواد التشدد في القانون، كي لا يجعل الدولة محصلاً لديون منهم مرابون، أو نصابون وغيرهم، فهؤلاء، وكما قلنا في مرات عدة، يسعون إلى الاستحواذ على أموال الناس بشتى الطرق غير المشروعة، مستفيدين من ثغرات قانونية يجهلها معظم المواطنين، خصوصاً في عالم بات مفتوحاً على وسائل نصب لم تكن موجودة في السابق، ومنها الاحتيال الإلكتروني.
في دول العالم، ليس هناك منع سفر على المديون، بل السماح له بالعمل من أجل السداد، بينما في الكويت، ومع الضبط والإحضار، يصبح المواطن محاصراً لا يستطيع العمل، ومحجوز معاشه، والمحكمة تنفذ حكم أول درجة، فتصادر راتبه وسيارته، وإذا كان هناك كفيل له يصبح أيضاً تحت الملاحقة القضائية، وهذا يزيد من المعاناة، ويخلق مشكلات اجتماعية عدة.
حسناً أن أصبحت الشيكات من دون رصيد تعامل كأنها شيك واحد، ففي السابق كان مُصدِّرها يُحبس ثلاث سنوات عن كل واحد، لكن رغم ذلك، فإن هذا الشيك كمبيالة، يقوم عليها مبدأ الإعسار والتيسير، خصوصاً إذا كانت لقاء تجارة وشراء بضائع، أو قروض بفوائد ربوية عالية.
وفي الكويت، ظهرت مجموعة لا بأس بها من النصابين غير الكويتيين الذين يستخدمون أساليب احتيالية عديدة، ومنهم من زوّر التواقيع، فيحصلون على أحكام في الدرجة الأولى من المحاكمة، ويذهبون مباشرة إلى إدارة التنفيذ، ويستولون على أموال وأرزاق الناس، ويفرون من البلاد، وعند الاستئناف تسقط دعاواهم، بينما لا تستطيع المحاكم الكويتية استرداد تلك الأموال، حتى لو أصدرت عشرات الأحكام، ولدينا نماذج كثيرة في هذا الشأن عن هروب مختلسين ونصابين، وهم اليوم يتنعّمون بأموال الناس، أليس هذا يخدم النصابين والمرابين؟ ونحن هنا لا نتكلم عن موضوع النفقة وأكلاف الإجازات.
لا شك أن الحلول كثيرة، وموجودة في القوانين، خصوصاً أن منع السفر، على قضايا مالية، يتعارض مع الحقوق المشروعة للمواطن ومخالف للدستور، كما أنه يخالف الشريعة القائمة على المبدأ القرآني: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، وكذلك قوله تعالى: "وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ"، بينما لم ينص القرآن الكريم على "حبس المعسر"، ولا منعه من طلب الرزق في الأرض، فذلك يخالف أبسط حقوق الإنسان.