أولا: صاحب قانون المرور الجديد صدى اعلامي واسع في وسائل الاعلام الرسمي والمحلي، عملت وزارة الداخلية مشكورة على ترجمة نصوصه إلى لغات اخرى، وهذا امر جيد. ودخل حيز التنفيذ في 22 ابريل الجاري.
وشخصية العقوبة كما نصت عليها المادة 33 من الدستور ومستقاة من القرآن الكريم "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وهي غاية هذه الدراسة.
ثانيا: واول ما يستوقف النظر هو عدد ونوعية الجرائم او المخالفات، والغلو في العقوبات سواء بالغرامة، او الحبس، او كليهما، دون تناسب بين الجريمة والعقوبة، والتناسب مبدأ مستقر عليه فقهاً وقضاءً، حتى ان البعض شبهها بضريبة مستترة، تطال دخل المواطن او المقيم، الذي ينتظر تحسين مستواه المعيشي او زيادة في معاشه او راتبه!
فيما المحكمة الدستورية العليا في مصر وبحكم لها نصت: "الا تكون النصوص العقابية شباكاً او شراكاً يلقيها المشرع متصيدا باتساعها او بخفائها من يقعون تحتها او لا يبصرون مواقعها، وإن اساءة استخدام العقوبة تشويه لاهدافها، وتدّخل المشرع لتنظيم موضوع محدد من خلال ربطها باغراضها".(دستورية عليا 43 لسنة 17 ق).
ثالثاً: السؤال المطروح: هل توجد مسؤولية جزائية تضرب انسانا بريئا بسبب ارتكاب شخص اخر جريمة، بمعنى اخر هل توجد مساءلة جزائية لشخص لم يساهم في الجريمة لا ماديا ولا معنويا، اي لم يؤد دور الفاعل الاصلي، ولا الفاعل مع غيره؟
ولتحديد المسؤولية نقرر أن المسؤول هو كل من ثبت ارتكابه خطأ ما، وبصورة عامة كل من ينسب إليه خطأ يكون مسؤولا جزائيا.
وعلى القاضي أن يتحقق من وقوع الخطأ، ونسبته الى كل من تمكن نسبته إليه، اي أن عليه أن يبحث في ما وراء الخطأ الظاهري للفاعل المباشر، عن الخطأ الحقيقي، لكي لا ينشأ اخلال في التوازن القانوني، لانه يخل بمبدأ المسؤولية الشخصية، اي شخصية العقوبات، ولايخلو التوسع فيه من خطر! (شرح قانون الجزاء الكويتي لاستاذنا الدكتور عبدالوهاب حومد).
رابعا: خلاصة القول انه رغم بعض الايجابيات التي وردت بالقانون للحد من رعونة واستهتار بعض سائقي السيارات والمركبات وما تسببه حوادث السير بالارواح والممتلكات، الا أنه تغاضى عن سوء الطرق، وهي سبب مباشر لبعض الحوادث، لا يمكن اغفاله عند تطبيق القانون!
كان على من شرّع القانون ان يبدأ أولاً باصلاح الطرق، وجعلها صالحة للاستعمال، قبل الشروع بتطبيقه.
وفي واقعة غريبة في مخافر الشرطة، حضور متضررين لاثبات ضرر وقع على سياراتهم بسبب حفرة بالطريق ففوجئوا باتهامهم بالارتطام بالطريق، وهذا تجاوز غير مستساغ في تطبيق القانون، فمن هو المسؤول هنا، قائد المركبة ام الدولة؟
خامسا: تتحمل الدولة المسؤولية عن اعمال الإدارة في مجال التعويض عن الاضرار التي تلحقها بالافراد، وقد تنجم هذه الاضرار عن تنفيذ الإدارة مهماتها واختصاصاتها، وتتحقق مسؤولية الإدارة على اساس الخطأ، وهي العمل الخاطئ الذي تتجاوز فيه مبدأ المشروعية.
والثاني حدوث الضرر، والثالث وقوع الضرر ناتجاً عن فعل الإدارة الخاطئ. كما تتحمل المسؤولية عن عمل الإدارة غير القائم على الخطأ، اي المسؤولية عن الاعمال المشروعة اذا ترتب على ذلك وقوع اضرار، وأن يكون حدوثه ناتج عن عمل الإدارة المشروع.
وتقوم هذه المسؤولية اما على نظرية المخاطر ونظرية المساواة امام الاعباء العامة كمبدأ الغرم بالغنم. (مسؤولية الدولة عن اعمال الادارة والتعويض عنها. الدكتور ابوبكر الزهيري- اكاديمية الشرطة بالبحرين).
سادسا: بناء على ماتقدم، فإن توجيه اجهزة الشرطة الاتهام بالارتطام بحفر الطريق وتطاير الحصى، مخالف لقواعد المسؤولية القانونية، وهي ملزمة باصلاح الطرق لا الافراد!
عرض جرائم المرور- ايا كانت- سواء كانت مباشرة او غير مباشرة، وقبل الشروع بالتنفيذ المباشر، على قضاة ذوي خبرة للتحقق من مدى سلامة الاجراءات، ومدى تطابقها مع المخالفة او الجنحة، وعلى السلطة حماية النظام القانوني، والتصدي لاي ظاهرة تشكل اهدار القواعد القانونية، او الخروج عليها، بما يتحقق معه التوازن بين سلوك الافراد وامن المجتمع، بما يعرف بالعدالة الناجزة، حتى لا يتراخى الفصل في الخصومات وتضيع حقوق الافراد"ولئن يخطئ القاضي بالعفو خير من ان يخطئ بالعقوبة".
وفي حكم لمحكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة المصري من المفيد الاستئناس به على الحالات المماثلة، قررت المبدأ الاتي: "لم يرد بالقوانين واللوائح والقرارات الخاصة بالسيارات ما يسمح للجهات المكلفة بمنح التراخيص الخاصة بها بالامتناع عن تسليم هذه التراخيص لاصحابها متى استيفاء ما تستلزمه هذه القوانين من شروط، كما لم يرد بها ما يسمح لهذه الجهات بالامتناع تمكينا لمصالح او جهات اخرى من الحصول على رسوم او مبالغ مستحقة.(حكمها في 14 / 6/ 1954س 8)، وقد يُظهر التطبيق العملي على أرض الواقع ايجابيات القانون وسلبياته!
ومما يؤخذ على القانون، انه لم يعاقب على الوقوف في الاماكن المخصصة لكبار السن، كما فعل مع المعاقين!
ومن اقوال الحكماء "استعن على العدل بحسن النية في الرعية".
مستشار قانوني