حفيدتي دخلت تجربة لم تكن جديدة عليها، لكنها غريبة بالنسبة لفتاة في عمرها، مع قلة الخبرة الحياتية، فرغم شهادتها في الهندسة، لكنها رفضت العمل في الحكومة.
اخبرني والدها انها توظفت في شركة مقاولات خاصة، وانها مرتاحة بعملها، وضعتُ يدي على قلبي، فقلت في نفسي الحمد لله، لعله خير وتجربة مشجعة لاخريات كي يقتحمن التجربة ولا يتجهن للقطاع الحكومي المكدس اساساً من موظفين كسالى، مع راتب قوي، لا يناسب طبيعة او نوع العمل.
لكن بعد اقل من اسبوعي عمل تفاجأت أن حفديتي استقالت من الشركة، وجلست في المنزل، أما السبب ان مدير الشركة الاجنبي نقلها من مكانها إلى مكان اخر، وفرض ساعات عمل اضافية.
تلك لم تكن رواية ماخوذة من فيلم مصري، لكنه مشهد حقيقي حدث في الكويت، ولفتاة جامعية كويتية، كانت في بادئ الامر فرحة بعملها، رغم ساعات الدوام التي تزيد على الدوام الحكومي، ورغم غياب الراحة، وغياب المكافآت عن ساعات العمل الاضافية.
الحق يقال لم اتفاجأ من استقالتها لانني كنت اتوقع الا تستمر بالعمل في شركة خاصة، بينما زميلاتها وقريباتها ينخرطن في الحكومة، مع ما هناك اختلاف في الراتب، وساعات الدوام والعطلات الاسبوعية والمناسبات والاجازة السنوية، ورغم استقالتها من العمل بالشركة الخاصة، لكنها مصرة على معاودة العمل في شركة خاصة.
هل حفيدتي مجنونة حتى ترفض العمل الحكومي، مع ما فيه من امتيازات لا تتوافر في العمل الخاص، كالراتب المجزي وساعات العمل والاجازات الاسبوعية والسنوية؟
من العبث مقارنة المصانع والشركات الكبرى في دول مثل اميركا والمانيا والصين وغيرها من البلدان الصناعية، بالشركات والمصانع العاملة في الكويت.
إن كانت ملكية كويتية او اجنبية، للشركات المحلية لا تقارن بالشركات والمصانع في تلك البلدان، فهناك العاملون والموظفون يناهزون اضعافاً مضاعفة عدد موظفي الحكومة.
الحكومة اخطأت عندما منحت العاملين في القطاع الخاص ما يسمى "بدل عمالة"، لسبب بسيط، وهو أن الشركات تكسب ملايين الدنانير من المناقصات الحكومية، بخلاف قسائم صناعية وتجارية بإيجارات رمزية لا تذكر، والمناقصات محتكرة للشركات الكبرى، بينما شروط العمل في القطاع الخاص قاسية، ولا تناسب العامل الكويتي اذا قورنت بالقطاع الحكومي.
الكويتيون، لا سيما جيل الشباب، من خريجي الجامعات، تواق للعمل بالقطاع الخاص، لكن الشروط محبطة، ليست لصالحهم، وكأن هناك مؤامرة على الكويتيين من حكومتهم للاسف.
إن الشركات الكبرى، التجارية والصناعية، ينبغي أن تدار بعمالة وبادارات كويتية، وبشروط لا تقل عن شروط موظفي الحكومة.
هناك الاف الشباب، من خريجي جامعات ومعاهد وغيرهم من المراحل التعليمية، ينتظرون الرحمة الالهية، ثم قرارات ديوان الخدمة المدنية ليتكرم بتوظيفهم، او رميهم في حفرة من التي تسمى وزارات مع ما يسمى "بطالة مقنعة".
استنزاف اموال وبطالة، وتعليمهم الكسل، مع راتب مجز وامتيازات حكومية لا يحلم بها الموظف.
ديوان الخدمة المدنية مقبرة للشباب الكويتي، فلا يزال الاشباح متربصين في داخل مكاتبه، وعقلية العمل والتوظيف في الكويت بليدة وخاطئة وقديمة، تصلح لعهود ما قبل النفط، وقبل ظهور التكنولوجيات، والابتكارات العلمية الحديثة، لا يزال التوظيف يقوم على نظام السخرة.
صحافي كويتي
[email protected]