يثير استبيان نيابة الأحداث حول انتشار العنف المدرسي بين التلاميذ، عددا من الملاحظات، الاجتماعية والقانونية، التي لا ينبغي ان تمر مرور الكرام، ومن أهمها التصاعد المقلق لمؤشرات جرائم الضرب والمشاجرات، في تلك البيئة المدرسية المبكرة، باعتبارها تهديداً حقيقياً لأمن الطفل، النفسي والجسدي، ومؤشراً على خلل المنظومة الوقائية والتوعوية.
وتظهر البيانات الرسمية نسقاً تصاعدياً في عدد قضايا العنف بالمدارس من 226 قضية في عام 2021 إلى 391 قضية في عام 2024، ما يعني تضاعف المعدل خلال ثلاث سنوات، كما تظهر ان نسبة الضحايا والجانحين من الأطفال الكويتيين بلغت 80.7 في المئة، وهو مؤشر على أن العنف لم يعد مقتصراً على فئة اجتماعية معينة.
ومن النسب الملفتة التي تحتاج إلى قراءة عميقة، ووقفة، فقد ما أظهرته النتائج الرسمية من أن 32.6 في المئة من الفئة العمرية من 10 إلى 14 سنة لا يعلمون أن العنف جريمة، مما يشير إلى ضعف الوعي القانوني لدى تلك الفئة العمرية، والحاجة إلى تضمينه المناهج الدراسية بصورة تتناسب مع هذه العقول الناشئة، لتشب على احترام القانون، ونبذ العنف من الصغر.
وإن كان تضمينه المناهج يحتاج إلى وقت ودراسة، ومراجعات فعلى أقل تقدير تبني برامج توعوية مؤثرة، خصوصا أنه وفقا للمعلن من إحصائيات فإن 31.5 في المئة من الحالات وقعت داخل الفصول، وهو ما يسلط الضوء بدوره على أهمية الدور الوقائي والتوعوي للهيئة التعليمية، لا سيما بعد ان اتضح من الإحصاءات الرسمية أن موضوع العنف بين التلاميذ في المراحل الدراسية المبكرة ليس مجرد سلوك فردي، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد، لا تنحصر في البعد القانوني فقط، إنما لها أبعاد، اجتماعية ونفسية، تؤثر على التحصيل الدراسي، ونمو العلاقات الاجتماعية السليمة، وغيرها، مما نتركه لأهل الاختصاص لتوضيحه.
تشكل حماية الطفل من العنف جزءاً من الالتزامات الدستورية والقانونية للدولة، ويجد ذلك سنده في قانون رقم 21 لسنة 2015 في شأن حقوق الطفل، والذي يتضمن الحماية الجزائية، ويوجب على المؤسسات التعليمية، اتخاذ التدابير اللازمة لمنع العنف داخل المدارس.
كما يضع قانون الجزاء الاعتداء بالضرب، أو السب، أو القذف، أوالتهديد تحت طائلة العقاب، وتشدد العقوبة إذا كان الاعتداء وقع على قاصر، أو تم داخل مؤسسة تعليمية، ويجيزالقانون للمدرسة التدخل للصلح وفق ضوابط، بشرط موافقة ولي الأمر وعدم تعارضه مع مصلحة الطفل.
خلاصة الأمر ان حماية الطفل من العنف المدرسي تحتاج إلى تفعيل منظومة متكاملة، تشمل الجوانب القانونية، التربوية، والاجتماعية، وتتضافر فيها مسؤولية الدولة والمجتمع، لخلق بيئة تعليمية آمنة تضمن للطفل حقه في التعليم، وتحميه في الوقت ذاته من كل أشكال العنف.
ونختتم مقالنا ببعض التوصيات القانونية للمساهمة في معالجة الظاهرة، ومنها إنشاء وحدات قانونية داخل المدارس بالتعاون مع وزارة العدل، لتقديم الاستشارات القانونية للطلاب والمعلمين، وإدراج التربية القانونية ضمن المناهج الدراسية لرفع وعي النشء بحقوقهم ومسؤولياتهم، وتغليظ العقوبات التأديبية داخل المدارس، لمن يرتكب عنفاً جسدياً أو لفظياً وتوثيقها بسجلات سلوكية، فضلا عن تفعيل دور الأختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، لتقويم السلوكيات العدوانية للأطفال في هذا السن المبكرة، ومعالجتها مع التنويه إلى أن أغلب الحوادث والصدامات الدامية بين فئة الشباب، من سن العشرين فما فوق، تقوم على أسباب تافهة، مثل نظرة عابرة غير مقصودة يسيء الطرف الآخر فهمها، وهي إفرازات لسلوكيات عدوانية في مرحلة الطفولة، لم تعالج في وقتها.
محامي كويتي