تجريم خطاب الكراهية، وازدراء الآخرين، مشروع قانون تقدمت به دولة الكويت أواخر الشهر الماضي إلى جامعة الدول العربية، وجرت مناقشته في اجتماع لجنة خبراء وممثلي وزارات العدل والداخلية، والجهات المعنية في الدول الأعضاء.
ويأتي تقديم الكويت لهذا المشروع المهم في إطار حرصها على تكريس السلام والوحدة الوطنية، والتقارب بين الشعوب، وتعزيز مبادئ الإخاء والإنسانية، وغيرها من القيم التي دأبت على ممارستها منذ نشأتها، وتبلورت في الآونة الأخيرة حين حصلت على لقب "بلد الإنسانية" من الأمم المتحدة ونال أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، لقب أمير الإنسانة.
أبرز ما جاء في مشروع القانون، أن خطاب الكراهية يعني كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتن، أو النعرات، أو العنصرية، أو تشويه السمعة، أو نشر الأفكار الداعية إلى الازدراء، أو التحريض، أو التمييز بين الأفراد والجماعات، أو التحريض على ذلك، أو إلحاق الضرر بالآخرين.
ويفسر مشروع القانون أن التمييز هو كل تفرقة أو استبعاد، أو تقييد، أو تفضيل غير مشروع يقوم على أساس الجنس، أو النسب، أو الأصل، أو اللغة، أو اللون، أو الدين، أو الثروة، أو الإعاقة، أو الحالة الصحية، أو الانتماء المؤدي إلى إبطال أو عرقلة الاعتراف، أو التمتع بحقوق الإنسان أو الحريات الأساسية، في المجال السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو في أي مجال آخر في الحياة العامة، أو مباشرة هذه الحقوق والحريات على قدم المساواة مع غيره.
يتضح مما ذكر أعلاه أنّ خطاب الكراهية يرسخ التنافر والبغضاء بين أعضاء المجتمع الواحد، ويؤدي إلى إثارة الحقد والكراهية، وإلى نشر الفتن والاضطرابات الاجتماعية، خصوصا في المجتمعات الهشة التي يعاني أبناؤها من التجهيل والتهميش، وقلة الوعي، فتكون أرضا خصبة لكل أنواع التفرقة العنصرية، والطبقية والطائفية والقبلية، بدلا من التسامح والتوافق والاندماج الاجتماعي.
من هذا المنطلق، نقول إن على الحكومات أن تكون أكثر حرصاً على مكافحة أي نوع من خطابات الكراهية، وعلينا، كإعلاميين ومثقفين ومؤثرين، أن نشرح مخاطر هذا الخطاب ونوجه إلى نبذه، لأنه لا يمكن التغاضي عنه، فخطاب الكراهية بكل صوره شر ما بعده شر على الفرد والمجتمع.
خصوصا أن وسائل نشر خطاب الكراهية في عالم اليوم تعددت كثيراً، وتنوعت، مع انتشار شبكة المعلومات، وتوسع وتنوع شبكة الاتصالات والمواقع الإلكترونية، وتقنية المعلومات والوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، حيث يمكن التعبير عن خطاب الكراهية بالقول، أو الكتابة أو الرسم، أو الإشارة، أو الشعارات أو التصوير، أو الغناء، أو التمثيل أو الإيماء.
لذا لا بد من تفعيل قوانين مكافحة هذه الجرائم وتغليظ العقوبات لكل من يأتي، قولاً أو فعلاً، من شأنه إثارة خطاب الكراهية باستخدام أي وسيلة كانت من وسائل، العلانية والنشر، سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة، أو الرسم أو التصوير أو الغناء، أو الإيماء، أو البيانات الإلكترونية، أو غيرها من الصور الأخرى وبأي لغة.
ولا بد من تشديد المراقبة على وسائل التواصل، ومحاسبة كل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم، التي لا تورث إلا الحقد، كما ذكرنا، وترسخ الكراهية. نؤكد مرة أخرى على أهمية مشروع تجريم خطاب الكراهية وازدراء الآخرين، ونشير إلى بعض العوامل التي تولد الكراهية لدى البشر، وندعو إلى تجنبها.
فقد أظهرت الدراسات أن للكراهية أسباباً اجتماعية وعاطفية، وقد تنشأ لأسباب نفسية تنبع من الأوضاع السياسية، أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ويمكننا تجنبها من خلال التحكم بمشاعر الغضب والانفعال والابتعاد عن الغل والحقد، وتعزيز وترسيخ القيم والمفاهيم الدينية، والسلوكية والاجتماعية، والاخلاقية، والإيمان المطلق بقدرة الله، وأنه سبحانه وحده بيده الأمر والنهي، لا رادّ لقضائه، ولا بد من العمل على منع الظلم لأنه يولد الكراهية، والكراهية تولد الحقد والعنف والتعدي على الآخرين.
كاتب سوري