بوضوح
في ديسمبر 2024، أُعلن سقوط النظام السوري البعثي، بعد أكثر من عقد من الصراع، وفي لحظة بدت لكثيرين كأنها نهاية مأساة، لكنها في الحقيقة كانت بداية مرحلة أكثر تعقيداً: مرحلة بناء بين السلام المستدام أو "السلام الممكن".
اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على هذا التحول، يبدو أن المشهد السوري حائر بين استحقاقات العدالة الانتقالية ومقتضيات المصالحة الوطنية، وبين واقع اقتصادي منهك، ونسيج اجتماعي متصدع، ولجنة حوار وطني وُلدت في ظل ضغوط من كل اتجاه.
من منظور التنمية المستدامة، لا يمكن اختزال إعادة بناء سورية في مجرد إعمار البنية التحتية، أو استعادة مؤسسات الدولة المركزية، بل لا بد من هندسة مشروع اجتماعي جديد يعيد الاعتبار للمواطن، ويؤسس لحوكمة تشاركية وعدالة اجتماعية.
التنمية المستدامة هنا ليست شعاراً أممياً، بل ضرورة تاريخية بدءا من القضاء على الفقر مروراً بتعزيز التعليم، وصولا إلى ترميم الثقة بين المكونات، وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد. كل هدف من أهداف التنمية يمثل خطوة نحو سلام حقيقي، لا مجرد هدنة بين جولات عنف مؤجلة.
ومن موقعنا في الكويت، حيث تمتزج المبادرات الإنسانية بالرؤية التنموية، يمكن أن نؤدي دوراً مهماً في دعم هذا التحول، من خلال تعزيز الشراكات، وتأطير الجهد الإغاثي ضمن رؤية لإعادة الاندماج المجتمعي في سورية، وليس مجرد استمرار لمشاريع الدعم المحدود.
إنّ السلام الذي لا يتكئ على تنمية عادلة، سيبقى موقتاً، هشاً، ومعرّضاً للنكوص.
وسورية التي تنزف منذ 14 عاماً، لا تحتاج فقط إلى وقف النزيف، بل إلى من يداوي الجرح ويمنع تقيّحه من جديد.
ص