في لحظة تاريخية هزّت أرجاء ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، ارتفعت سحب الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستينا، معلنة للعالم انتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثوليكية. فقد اختار مجمع الكرادلة الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست ليصبح الحبر الأعظم رقم 267 في تاريخ الكنيسة، متخذًا اسم البابا ليو الرابع عشر.
وُلد البابا الجديد في 14 سبتمبر 1955 في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية، وهو ينحدر من أصول إيطالية وفرنسية وإسبانية. انضم إلى رهبنة القديس أوغسطينوس في شبابه، وكرّس حياته للدراسة والتبشير. حصل على شهادة في الرياضيات من جامعة فيلينوفا، ثم أتم دراساته اللاهوتية في روما، حيث حصل على درجة الدكتوراه في القانون الكنسي من الجامعة الغريغورية البابوية.
سُمي كاهنًا في عام 1982، وأُرسل بعد ذلك إلى بيرو كمبشر، حيث خدم لعقود في المناطق الفقيرة، وعُرف ببساطته وقربه من الشعب. شغل منصب رئيس الرهبنة الأوغسطينية في بيرو، ثم انتُخب رئيسًا عامًا للرهبنة على مستوى العالم عام 2001، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2013.
في عام 2014، عُيّن أسقفًا في مدينة شيكلايو البيروفية، ثم استدعاه البابا فرنسيس إلى الفاتيكان عام 2020 ليعمل ضمن مجمع الأساقفة. وفي عام 2023، أصبح رئيسًا لدائرة الأساقفة، الهيئة المسؤولة عن تعيين الأساقفة حول العالم، ما جعله أحد أبرز الشخصيات الكنسية في إدارة الكنيسة.
جاء انتخابه في مايو 2025، بعد وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا. وقد انتخبه 133 كاردينالًا من مختلف أنحاء العالم بعد أربع جولات من التصويت في المجمع المغلق.
في أول ظهور له من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، خاطب البابا الجديد الحشود قائلاً: "السلام معكم جميعًا!"، مؤكدًا التزامه بوحدة الكنيسة، وتعزيزه لقيم الإنجيل، والاستمرار في الإصلاحات التي بدأها سلفه. وأضاف البابا ليو الرابع عشر في خطابه: "في هذه اللحظة التاريخية، أقف أمامكم متواضعًا وفي خدمة الله وشعبه. سنواصل سعي الكنيسة المستمر نحو العدالة والمصالحة، ونسعى معًا لإيصال رسالة الحب والخلاص إلى كل زاوية من زوايا عالمنا. إنني أؤمن بقوة الإصلاح، وسأعمل جاهدًا لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، ولتصحيح مسار الكنيسة بما يتماشى مع روح الإنجيل".
وتابع البابا ليو الرابع عشر قائلاً: "إن الكنيسة يجب أن تكون دائمًا مكانًا للسلام والمغفرة، وسأعمل على تعزيز الدور الذي تلعبه في خدمة المجتمع الفقير والمهمش. نحن مدعوون جميعًا لبناء عالم أفضل، يملؤه التعاون والمحبة. سنسعى لتوسيع دائرة العدالة الاجتماعية، وتكريس جهودنا لتحقيق السلام في جميع أنحاء الأرض".
البابا ليو الرابع عشر يتحدث عدة لغات، من بينها الإنكليزية، الإسبانية، الإيطالية، والفرنسية، وهو معروف بشخصيته الهادئة والمتواضعة، وحبه للعدالة الاجتماعية والتواصل مع الشعوب.
تنتظره تحديات جسام في قيادة الكنيسة الكاثوليكية، التي تضم أكثر من مليار ونصف مؤمن حول العالم، في زمن يشهد تحولات دينية وثقافية عميقة.
الأب سليمان حيفاوي
الكنيسة الكاثوليكية - دولة الكويت