الخميس 15 مايو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
آراء طلابية

جيل فاقد للمعنى

Time
الأحد 11 مايو 2025
View
10
نـورا العجمي
وجهة نظر

أعتقد أننا نعاصر جيلاً فاقداً للمعنى في الحياة، ولفرط الخواء الذي تجذّر في مجتمعاتنا؛ نجعل من التفاهة معنى عظيماً نتذرّى به من توهاننا.

على مر الأزمنة والتاريخ تعيش المجتمعات حالات متكررة ومتشابهة، كأنها في دائرة مغلقة، أحدها يعلو وآخر يهبط، أما المشنقة التي عُلِّقت أعناقنا فيها نحن هي "زمن الانحطاط والانبطاح"، وتكمن علّة ذلك أن حريتنا كبشر مقيدة، مُقلَّصة، محدودة، تعيقنا عن خلق المعنى، وتوجيه عقولنا نحو البحث الحقيقي عن الجدوى.

اصبح الانسان محكوماً بمنظومة عالمية ضخمة، مليئة بأساليب التحضر الوهمي، تستعمل القوانين لتهيمن معايير الرفض والقمع الخفي، تُحدد قواميس الكلام بحيث تكون الألسنة البشرية ممنهجة التلفظ في مدى ضيّق، لا يصل ناصية الرأس، تفتح الأبواب على مصراعيها وتتقبل الإباحيّة في كل شيء، إلا في مسألة الحرية المطلقة للتفكير.

ولأن عقل الانسان في ذاتيته حُر، لا يُمكن الاستحواذ عليه بشكلٍ مباشر، خارج فكرة الانقياد، فيتم خلق فوضى -مفتعلة- غايتها تشتيت الأفراد والشعوب، ضياع المنطق السليم في فداحة الحماقة الفاضحة، تتولّد في المجتمعات عقولاً خالية من أساليب التفكير المنطقي، والربط الواقعي، مُغيَّبة عن لمس الحقيقة، تكاد أن تكون الحقيقة في نواظرهم أقرب إلى الخزعبلات، فيترأس هؤلاء القمة الهرمية للمجتمع، ينصاع لهم من هم يتشاركون معهم في التِّيه نفسه، تتحول القيم الأخلاقية إلى أقمشة مهترئة لا قيمة لوجودها وسط هذه الحضارة المزيّنة بالبهرجة، التي تم بناءها على أساس الإفراط في الجهالة.

تجعلنا نصدق مدى عدمية جودتها في عالمنا الحداثي الجديد، أو تعيد رسمها في إطارٍ ذهبيٍ عتيق، تعلقه في زاوية التاريخ وتُشير نحوها على أنها مرحلة من مراحل السَّفه الذي عبرت به البشرية ونجت، ولولا نعمة التطور الذي توصلوا إليه لكان هذا الدّاء يتفشى في وجداننا، يسقمنا، يذبحنا، ما يساعد هذه المنظومة المجرّدة كامل التجريد من الأخلاق.

إن العقول قد ولّت في زمننا هذا، استوطنت منهجية القطيع اغلبية الرؤوس، فلا رأي يستقل بصاحبه، ولا قدم تشق بِرَك الدناءة، قتلوا كل القيم التي تُصيّرنا وتحسبنا أقواماً انسانية، اصبح للجماد؛ الشجر، الحجر، قيمة ملموسة على الأرض، ونحن أبعد مما يكون عن العقلانية والانسانية حد السواء.

سلبوا من الانسان وعيه الفطري، فجعلوا لتوافه الأمور أهميةً قصوى، كل القضايا التي اهتمت فيها البشرية من بدء الكون حتى الآن، أصبحت محط استهزاء، وتخلف رجعي فكري في وقتنا هذا.

انقلبت كفّة الموازين، بل لم يعد هناك ميزان يزن، ولا عقول تُسعف، جانب واحد هو من يسيطر على كل شيء، جانب واحد هو من يُطعِّم التفاهة ويُغذي تابعيها.

نـورا العجمي

كلية الحقوق

آخر الأخبار