الزكاة في الإسلام لها معاييرها، وتعطى وفق حكم متدرج، وليس هناك تقديم لدرجة على أخرى، لهذا جاء حكمها لمن تعطى على النحو التالي: الأقربون، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل.
هذا الحكم، طرأ عليه بعض التغيرات بناءً على تطور المجتمعات والدول والناس، فيما لا تزال ثمة قواعد ثابتة، ومنها أن الزكاة للأقربين، وهؤلاء في الكويت، الأسر المتعففة، والسجناء في قضايا مالية، أو مدنية، أو جنح.
لكن مع الفوضى التي عمّت في العقود الأربعة، وظهور جماعات الإسلام السياسي، واستخدام التبرعات في غير أهدافها الواقعية، بتنا نرى مساعدات مالية تذهب إلى دول كان الهدف منها جذب الناس إلى تلك التيارات والجماعات المتطرفة، بينما في المقابل كان الأقربون الأولى بالمعروف غير منظورين.
هذا بالطبع أسّس لنظرة غير صحيحة عن العمل الخيري الكويتي أمام العالم، ففي حين هناك نحو 120 ألف مواطن عليهم "ضبط وإحضار"، وإما "منع سفر"، وكذلك دعاوى جزائية، ويقبعون في السجون، ومنهم كثير من الأمهات وربات البيوت، اللواتي خدعن، كما قلنا أكثر من مرة، هن الأولى بالمعروف، لأنهن الأقربون، بحكم صلة الرحم، والجيرة، والمواطنة، وغيرها الكثير من الأسباب الاجتماعية.
"الغارمون" وجبت عليهم الزكاة، وخيراً فعلت وزيرة الشؤون الاجتماعية في إطلاق حملة لـ"مساعدة الغارمين"، لكن الأمر لا يكفي لحل هذه الأزمة، فهي حملة موسمية، ولم تكن يوماً دائمة لحل المشكلة من أساسها.
في المقابل، هناك بيت الزكاة، وهذا له مشاريعه لإنفاق الأموال المتأتية إليه من الأفراد والشركات، وسنوياً يتحصل على مبالغ هائلة، إلا أن المشكلة تبقى في توزيع الأموال، إذ بدلاً من أن تذهب إلى مشاريع خارجية في قارات العالم، أليس من الأجدى أن تنفق داخل البلاد؟
هناك عشرات آلاف من المواطنين يريدون إخراج الزكاة، ويبحثون عن الأجر والثواب، وليس خدمة جماعات سياسية معينة، بينما اللجان والجمعيات الخيرية الكثيرة في البلاد، ولجان الصدقات، تنفق أموال التبرعات في الخارج، وليس للغارمين والمحتاجين والمساكين، خصوصاً بعدما كثر عدد المسحوبة جنسياتهم، الذين أصبحوا بحاجة ماسة إلى مصدر دخل يعتاشون منه، ومن هؤلاء أمهات كويتيين، وأرامل، وغيرهن ممن ينطبق عليهن مصطلح "الأقربون" أو "المساكين".
لكن نجد أن العكس يحدث، فالقيّمون يستغلونها في مآرب خاصة، كالتمتع بالسفر والمكاتب الفخمة، وغيرها، بينما الأساس أن يكون نحو 20 في المئة من هذه الأموال للقيّمين عليها من أجل خدمة المجتمع والناس، وليس متعتهم.
سوء الاستخدام هذا جعل الكثير من هؤلاء لا يساعدون الغارمين، والمحتاجين، فيما بيت الزكاة لا يقدم لهم إلا النذر اليسير، وبعد جهد جهيد، أما حين يأتي إليه من لديه واسطة يُعطى ثلاثة آلاف وأحياناً خمسة آلاف دينار، ولا يخدم الحاجة الأساسية لهدف الزكاة، وكأن هذه اللجان والجمعيات، وكذلك بيت الزكاة، يعطون الجائع كسرة خبز، والشبعان يزيدون تخمته.
وما زاد الأزمة تعقيداً القوانين والتشريعات، التي وضعت بضغط من رجال مال ومتنفذين، وغيرهم، ممن أرادوا إبقاء المواطن تحت سيف جاحتهم، فتحولت مؤسسات الدولة الرسمية إلى ما يشبه المندوب للمرابين وحيتان المال، وهذا ليس موجوداً في كل العالم، إلا في الكويت.
حسناً فعلت وزيرة الشؤون في وقف التبرعات عبر اللجان الخيرية، وبات الأجدى اليوم أن تتحول تلك الأموال إلى الداخل، رغم ذلك، فهذا لا يعفي الدولة من أن تعمل على حل مشكلة الغارمين والمحتاحين، من خلال حملة مستمرة لإنهاء هذه الأزمة، وحماية شرائح اجتماعية كثيرة من التفكك، وهذا ليس صعباً إذا كانت هناك نوايا صادقة.