منذ لحظة ولادتهما كدولتين مستقلتين عام 1947، دخلت الهند وباكستان في دوامة من التوتر والصراع، ولم تهدأ حتى اليوم. لقد جاء التقسيم التاريخي الذي أُجري تحت إشراف الاستعمار البريطاني محمّلاً بالكثير من الدماء والدموع، حيث قُتل ما يقرب من مليون شخص، وهُجّر أكثر من 14 مليون إنسان في واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري في التاريخ الحديث.
ومنذ ذلك الحين، تكرست العداوة بين الدولتين في ثلاث حروب رئيسية:
- الأولى بين عامي 1947و1948 حول إقليم كشمير، والتي انتهت بتدخل الأمم المتحدة، وفرض خط وقف إطلاق نار قسم الإقليم بين الهند وباكستان، دون التوصل إلى حل نهائي.
-الثانية عام 1965 والتي نشبت أيضاً بسبب كشمير، وانتهت بـ"اتفاق طشقند" بوساطة سوفياتية، دون أن تُحل الأزمة الجذرية.
- الثالثة عام 1971، والتي كانت أكثر دموية، وانتهت بانفصال شرق باكستان عن الغرب، وتأسيس دولة بنغلاديش بدعم هندي، ما زاد من تعقيد العلاقات، وأورثها مرارة أكبر.
لكن، رغم هذه المحطات الصراعية، شهدت العلاقة بين البلدين أيضاً لحظات من الانفراج:
-"اتفاقية سيملا" عام 1972 التي وضعت إطاراً للحوار السلمي بعد حرب 1971.
- "عملية لاهور" 1999 التي جرت بين رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، والتي ترجمت رغبة جدية في تجاوز الماضي، لكن سرعان ما تبخرت هذه الآمال بسبب "عملية كارجيل" العسكرية لاحقاً في العام نفسه.
منذ أن أصبحت الدولتان تمتلكان السلاح النووي رسمياً في عام 1998، أضاف ذلك بُعداً جديداً للمعادلة: الردع النووي المتبادل، الذي يمنع اندلاع حرب شاملة، لكنه لم يمنع التوترات والمناوشات على الحدود، أو الحوادث الإرهابية التي يُتهم بها متشددون من الجانبين.
في خضم كل هذا، تُطرح التساؤلات: أين هي أصوات العقل؟
هل ما زالت هناك فسحة للحكمة أن تنقذ ما تبقى من العلاقة؟
الإجابة تكمن في شريحة لا يستهان بها من المثقفين والمفكرين والمجتمع المدني، الذين طالما دعوا إلى تجاوز عقدة الماضي. في الهند، كثيرون يعترفون بأن الأمن القومي لا يتحقق بالعداء الدائم، وفي باكستان، ترتفع أصوات تنادي بالتركيز على الاقتصاد والتعليم، بدلاً من التسلح والصراعات.
الحقيقة أن كلتا الدولتين تواجهان تحديات مشتركة: البطالة، تغير المناخ، التهديدات الإرهابية، وتراجع جودة الحياة في بعض المناطق الريفية. هذه التحديات تتطلب تعاوناً إقليمياً، وليس صداماً مزمناً. وربما تلوح في الأفق فرص جديدة: فالعالم بات أكثر ترابطاً، والأزمات الاقتصادية تلزم الحكومات بالتركيز على الاستقرار والتنمية. ومع تنامي وعي الشباب في كلا البلدين، قد تنشأ أجيال تؤمن بأن التعاون هو الطريق إلى الأمام، لا الصراع.
ومع كل هذا وذاك يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيكون للعقلاء كلمة؟
الإجابة تتوقف على قدرة القيادات السياسية على الاستماع لأصوات شعوبها، وعلى شجاعة تجاوز جراح الماضي لصنع مستقبل مشترك يسوده السلام والازدهار.
سياسي عراقي