الخميس 15 مايو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
رجال الدولة... حرّاس الفكرة لا صدى اللحظة
play icon
كل الآراء

رجال الدولة... حرّاس الفكرة لا صدى اللحظة

Time
الثلاثاء 13 مايو 2025
View
40
لواء م. فيصل مساعد الجزاف
بوضوح

في زمن اشتدت فيه الضغوط على الأوطان، وضاقت فيه المساحات بين المبدأ والمصلحة، تبرز الحاجة الماسّة إلى التمييز بين "السياسي" و"رجل الدولة"، لا كمجرد ترفٍ تنظيري، بل كضرورة تنموية تحدد مصير الشعوب في مفترقات التاريخ.

"السياسي" – في أكثر نماذجه رواجاً– هو ابن السوق السياسي، ماهر في استثمار اللحظة، وتبديل الأقنعة، وتدوير الخطاب وفق اتجاهات الريح، يبرع في تحويل الأزمات إلى مكاسب شخصية، ويجيد هندسة الوقائع، بما يخدم صعوده لا استقرار وطنه. يعبد الاستطلاعات، ويتغذّى على الانقسام، ويقتات على الضجيج، لأن مقياس نجاحه هو عدد التصفيقات،

لاعمق القرارات.

أما "رجل الدولة"، فهو معدن نادر في بيئة التهريج السياسي. لا يفاوض على جوهر الدولة، ولا يقايض على الثوابت، ولا يهرول نحو السلطة، بل يتقدّم نحوها حين تستدعيه المسؤولية لا حين تغريه المكاسب.

ينظر إلى الأزمات على أنها تكشف عمق الخلل، لا كسلم للظهور، يفتّش في الجذور، يعرّي الفساد، ويواجه الحقائق، حتى لو دفع الثمن وحده.

رجل الدولة يستثمر في الزمن، في بناء الثقة الهادئة، الصلبة، التي لا تهتز حين تهوي المؤشرات. لا يستعرض نفسه في المواكب، بل يشتغل في الظل على صيانة الفكرة الوطنية من التآكل.

يعرف أن الانقسام ليس رقماً في استطلاع، بل شقّ في جدار الدولة لا يرمّمه إلا الصدق والصلابة.

ولأن حضوره يحرج، ويهدّد الأقنعة الزائفة، يُقصى في كثير من الأحيان، لا لأنه فاشل، بل لأنه صادق أكثر مما يحتمل المشهد.

يُستبعد من المشهد لأن صمته أبلغ من خطابات السياسيين، ولأن انشغاله ببناء مؤسسات تستدام، أهم من دغدغة مشاعر آنية.

ما تحتاجه الكويت، بل والعالم النامي بأسره، ليس فائضاً في السياسيين، بل نهضة في رجال الدولة. فالدول لا تُبنى بالمراوغات، بل بالإرادات، ولا تُصان بالشعارات، بل بالحوكمة والكفاءة، والرؤية العابرة للمدى.

التاريخ لا يحفظ عدد المصافحات أمام الكاميرات، بل يخلّد من أنقذ الفكرة حين كادت تسقط، ومن خاف على الدولة أكثر من خوفه على مستقبله الشخصي. ذاك هو رجل الدولة. وما عداه –مهما علت شعاراته– هو فائض مشهد لا يصمد أمام امتحان الزمن.

آخر الأخبار