منذ عقود، تعاني الكويت من مشكلة ما يسمى "البدون"، وكانت الكثير من الدول واجهتها، لكنها عملت على حلول واقعية، واستفادت منهم في النشاطات الاقتصادية، والحرفية، والاجتماعية، وحتى الثقافية، وكذلك خفّضت نسبة حاجتها إلى الأيدي العاملة.
أيضاً، هناك دول، ومنها كندا وأستراليا وهولندا وألمانيا والنرويج، وضعت قوانين جاذبة كي تعزز نسبة الشباب فيها، لأن المجتمع أصبح على مشارف الشيخوخة، كما فعلت ألمانيا بعد الوحدة، وكذلك تستفيد من الحرفيين والأدمغة والعاملين، أكان بمنحهم الجنسية أو الإقامة الدائمة، أو إغرائهم بالمال أحياناً، وكذلك فعلت بعض دول الخليج.
أما عندنا، فقد تُرك الأمر على غارب الرغبات، حتى استفحلت الأزمة، وبدلاً من نقصان العدد ارتفع، وهو آخذ في الزيادة، فيما الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية اقترح بعض التوصيات الواقعية، وهي تخدم الأمن الاجتماعي، وتوفر الكثير على الدولة، منها منح بعض المزايا للذين تحتاج إليهم البلاد، خصوصاً أصحاب الشهادات العليا، الذين يشكلون قيمة مضافة، وكان "الجهاز" قد درس ملفات عدة، وخلص إلى أن هناك من يستاهل منحه الجنسية، لكن القرار يبقى للحكومة، لأن الأمر سيادي، وعلى الجهاز تقديم الاقتراحات والكشف عن جنسيات هؤلاء الناس.
للأسف، استُغلت تلك الاقتراحات للتصويب على "الجهاز" ورئيسه، أكان من بعض النواب سابقاً، أو حالياً من متنفذين مستفيدين من إبقاء الوضع على ما هو عليه، لحاجة في نفس يعقوب.
هذه الفئة باتت منذ زمن تشكل عبئاً على الدولة، في شتى المجالات، لعدم وجود رؤية واضحة للحل، وإذا صدقت الأرقام، فهؤلاء أصبح عددهم ما يزيد على 90 ألف نسمة، هذا غير الذين لم يسجلوا ووزارة الداخلية على علم بهم، وهذا رقم كبير نسبياً مقارنة بعدد المواطنين، لذا فإن الحل بات ضرورة، وعلى المستويات كافة.
ومن الحلول الواقعية، منحهم جوازات سفر محددة المدة، وتكون موافية للمعمول به في الدول الأخرى بالنسبة للتأشيرات، أي "كاملة الدسم"، وتخصيص مبلغ معين لمن يرغب في المغادرة، أكان إلى البلد الذي في ملفات "الجهاز المركزي" يحمل جنسيتها المتخلي عنها عند دخوله الكويت، أو أي بلد يرغب في السفر إليه، علّه يجد ما يعتاش منه، أو يحصل على إقامة دائمة، وجنسية.
حل هذه الأزمة كان في السابق، وقبل تفاقم العدد، سهلاً جداً، وكذلك اليوم يمكن إيجاد الكثير من الحلول، حتى لا تبقى القضية محط انتقاد في المحافل الدولية، إذ رغم المزايا الكثيرة التي أعلنها رئيس الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية صالح الفضالة، وهي جيدة وتحسّن الوضع الإنساني لهذه الفئة، لكنها غير كافية، وليست حلاً جذرياً.
مشكلة "البدون" تؤرق الدولة، وهناك إمكانية لحلها مع الطلب المتزايد للدول لاستقطاب رعايا جدد، ولهذا يجب استغلال الفرصة كي يغلق هذا الملف إلى الأبد، وترتاح الكويت من مشكلة مزمنة، وحتى بعد ذلك، إذا رغب من يحصل على جواز دولة أخرى وأراد العودة إلى الكويت تكون إقامته شرعية، وينزاح هذا العبء عن كاهل الدولة، بدلاً من أن يستمر نقطة سوداء في ملف حقوق الإنسان، بمنطق أو غير منطق.
[email protected]