وجهة نظر
شهدت الكويت اخيراً توجهاً نحو رفع الرسوم القضائية، وذلك في إطار ما يبدو أنه مساعٍ لتحديث النظام القضائي، وتحقيق توازن مالي في كلفة التقاضي. إلا أن هذا القرار أثار موجة من الانتقادات من قبل المختصين القانونيين، والمجتمع المدني، والمهتمين بالشأن العام، لما له من انعكاسات مباشرة على مبدأ العدالة، والمساواة أمام القانون.
ويُعد حق التقاضي من الحقوق الدستورية المكفولة في المادة 166 من الدستور الكويتي، والتي تنص على أن "حق التقاضي مكفول للناس"، إلا أن رفع الرسوم القضائية قد يُقيد هذا الحق، خصوصاً الفئات ذات الدخل المحدود، مما يُضعف من قدرة الأفراد على اللجوء إلى القضاء لحماية حقوقهم، ومصالحهم التمييز الاقتصادي بين المتقاضين. كما يُنتج عن رفع الرسوم القضائية واقع غير متكافئ، إذ يستطيع الأغنياء والشركات الكبرى دفع الرسوم دون تأثير يُذكر على أوضاعهم، في حين يتضرر منها المواطن العادي والضعفاء اقتصادياً، ما يؤدي إلى نوع من التمييز غير المباشر في الوصول إلى العدال.
كذلك قد تؤدي الرسوم المرتفعة إلى عزوف الأفراد عن رفع دعاوى تتعلق بمبالغ صغيرة، أو بمسائل أسرية وشخصية، مما يشجع على التهاون في احترام الحقوق، ويقلل من دور القضاء كضامن أساسي للعدالة. التدرج: لم يترافق قرار رفع الرسوم مع إقرار نظام إعفاءات، أو تخفيضات للفئات المستحقة (مثل المعسرين أو الأرامل أو أصحاب الإعاقات)، مما يعكس نقصاً في العدالة الاجتماعية، والإجراءات التيسيرية التي تراعي الظروف الإنسانية والاقتصادية المختلفة.
إن التأثير السلبي على صورة القضاء من شأنه فرض رسوم مرتفعة وهذا يُعطي انطباعاً سلبياً بأن التقاضي أصبح "سلعة" لا خدمة عامة، مما يُضعف من الثقة الشعبية بالمؤسسة القضائية ويؤثر على مكانتها كضامن للحقوق دون تمييز. لذلك فإن إعادة النظر في الرسوم القضائية بما يحقق التوازن بين كلفة التقاضي وحق المواطنين في العدالة، ضرورة، وكذلك اعتماد نظام إعفاء، أو تخفيض للرسوم لذوي الدخل المحدود، أو الفئات المستضعفة، إجراء دراسة شفافة حول أثر الرسوم على أعداد القضايا وجودة الخدمة القضائية، تعزيز التوعية القانونية بحقوق التقاضي ووسائل المساعدة القانونية المجانية.
إن العدالة لا تتحقق فقط بوجود قضاة نزيهين وقوانين عادلة، بل أيضاً بضمان وصول المواطن البسيط إلى القضاء دون عوائق مالية.
لذا، فإن مراجعة قرار رفع الرسوم القضائية ضرورة ملحّة لضمان عدم تحويل القضاء إلى عبء اقتصادي، بدلاً من أن يكون ملاذاً للحقوق
حور فيصل الهندال
كلية الدراسات التجارية - تخصص قانون