الأربعاء 28 مايو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
مدن تمشي وأخرى تتعثر... بين التخطيط والواقع
play icon
كل الآراء

مدن تمشي وأخرى تتعثر... بين التخطيط والواقع

Time
السبت 24 مايو 2025
View
20
محمد إبراهيم الفريح

اطّلعت اخيراً على تقرير عالمي يستعرض أفضل المدن في العالم للمشي، وقد ضم عدداً من المدن المتقدمة التي نجحت في جعل المشي جزءاً طبيعياً ومريحاً من حياة سكانها وزوارها، مثل كوبنهاغن في الدانمارك، وأمستردام في هولندا، وباريس في فرنسا، وطوكيو في اليابان، وبرشلونة في إسبانيا، وغيرها من المدن التي أدركت أهمية "قابلية المشي" في تخطيطها العمراني.

إن من أهم العوامل التي تجعل المدينة صديقة للمشي: وجود أرصفة وممرات آمنة، وانخفاض ازدحام المرور، وسهولة الوصول إلى وسائل النقل العامة، وتوفر المرافق العامة، مثل المحال التجارية، والحدائق، والمقاهي، ودورات المياه، فضلاً عن الهواء النظيف، والمساحات الخضراء، ولافتات المعلومات الواضحة، والأرصفة الواسعة الخالية من العوائق. ولا يمكن إغفال حقيقة أن سبب نجاح المجمعات التجارية الكبرى، وكذلك عواصم العالم المتقدمة في تعزيز حركة التسوق، يعود بشكل أساسي إلى سهولة وصول المشاة إلى المعارض والمتاجر، دون عناء أو عوائق.

فمن صالح الجميع، أفراداً وتجاراً وبلديات، أن تُبذل الجهود لتحسين بيئة المشي في الشوارع العامة، لتكون جاذبة وآمنة ومريحة.

تعود بي الذاكرة إلى الستينيات، حين كنا نسير براحة في "الشارع الجديد" وشارع "فهد السالم"، مستمتعين بالظل الذي توفره "الليوانات" – تلك المناطق المظللة أمام المحال – في أسواق مثل "سوق واقف" و"سوق الغربللي".

أما اليوم، فالوضع مختلف تماماً؛ إذ أن منسوب كل محل وعمارة يختلف عن الآخر، مما يجعل عبور الأرصفة محيراً، بل ومعيقاً، خصوصا لكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة.

في زيارتي الأخيرة إلى طوكيو، أكلت حلوى وأنا أسير في أحد الشوارع العامة، وعندما أردت التخلص من الغلاف، بحثت عن سلة مهملات، فلم أجد أياً منها في الشارع، ومع ذلك، كان الشارع نظيفا بدرجة مدهشة.

وعندما سألت إدارة الفندق عن السبب، كانت الإجابة: "سياستنا واضحة… زبالتك تأخذها معك إلى البيت". إنها ثقافة مجتمعية صارمة، لكنها فعّالة.

وفي خلال دراستي في الولايات المتحدة الأميركية لاحظت أن احترام المشاة يُعتبر أمراً مقدساً في جميع المدن، ولا يُسمح بأي تجاوز على حقوقهم.

وإذا أوقفت سيارتك بشكل يضايقهم، قد يتم سحبها فوراً، أحياناً فقط بناءً على شكوى من أحد الجيران، وهذا الاحترام للفضاء العام يعكس وعياً حضرياً عالياً نفتقر إليه في كثير من مدننا العربية.

في المقابل، نجد أن بلدية الكويت يمكنها أن تجني ملايين الدنانير فقط من مخالفات رمي النفايات في الشوارع، لو وضعت قوانين صارمة للردع، وإلزام أصحاب المحال والعمارات – الذين يحققون أرباحاً من الإيجارات – تحمل مسؤولياتهم تجاه نظافة الأرصفة والممرات الواقعة أمام ممتلكاتهم.

كما أقترح على المجلس البلدي تجربة عملية: المشي من مبنى المجلس إلى "برج الحمراء" في شارع الشهداء الشهير، سيجدون هناك "عجائب العجائب"، من تفاوت منسوب الأرصفة، إلى صعوبة التنقل، إلى بقايا أعمدة الإعلانات التي تُركت مزروعة على ارتفاع 5 إلى 10 سنتيمترات، لتشكّل مصائد خطيرة للمشاة، وبخاصة عند التقاطعات.

أما شوارع الشويخ، والري، والفحيحيل، والجهراء، فحدّث ولا حرج؛ فهي مليئة بالعوائق، وكأن تخطيطها يهدف صراحة إلى منع المشاة من الوصول إلى المحال التجارية المجاورة!

وكما تم تقليص مخالفات المرور لحماية أرواح المواطنين، يجب تطبيق مخالفات النظافة على جميع المحلات الواقعة على الشوارع العامة، ومحاسبة ملاك العمارات غير الملتزمين باحترام ممرات المشاة. فالنظافة مسؤولية مشتركة، والمشاة جزء لا يتجزأ من نسيج المدينة الحضري.

عضو مجلس إدارة هيئة الزراعة سابقا

آخر الأخبار