في دراسات الجدوى، ثمة جانب مهم لا بد من بحثه، وهو التبعات وأثر القرارات والإجراءات على مختلف جوانب المؤسسة، أو البيئة، أو الدولة، وتحليل المخاطر المحتملة، على المديين، القصير والطويل، والتكاليف والفوائد والخسائر.
فهذا الأمر يؤسس لنجاح المشروع ككل، وكذلك يخفض التكاليف، وهو ما سلكته معظم الدول الجادة في معالجة مشكلاتها المزمنة، فمثلاً، ما فعلته الولايات المتحدة عندما وجدت أن لديها عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، فيما كانت بحاجة إلى تعزيز قوتها العسكرية، لا سيما خلال الغزو العراقي الغاشم للكويت، فكانت أن أصدرت قرارها بمنح كل متطوع في الجيش الجنسية الأميركية.
في ذلك الوقت، انضم نحو 120 ألف مهاجر غير شرعي، وكل هؤلاء كانوا ضمن القوات التي عملت على تحرير الكويت، ضمن التحالف الدولي، وبهذا حلت مشكلتها، واستغلت هؤلاء الجنود في الخدمة، وبعضهم تدرج حتى أصبح من أصحاب الرتب العالية.
اليوم في الكويت، لدينا مشكلة "البدون"، ومن ضمن هؤلاء هناك نسبة لا بأس بها ممن قاتلوا في صفوف الجيش الكويت، أكان في الحروب التي خاضتها لمساندة الدول العربية ضد اسرائيل، أو أولئك الذين قاتلوا لتحرير الكويت.
الكثير من هؤلاء أفنوا حياتهم على هذه الأرض، ولا يعرفون غير الكويت وطناً لهم، وبعضهم استشهد دفاعاً عنها، وأيضاً كان منهم في موكب الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، حين تعرض لمحاولة اغتيال عام 1985.
ثمة أرقام، كما أسلفنا سابقاً، عن عدد "البدون" أنه نحو 90 ألفاً، طبعاً غير المسجلين في الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية وتعرف عددهم وزارة الداخلية، فيما اليوم يزداد العدد بعد سحب جنسيات بضعة آلاف، وبينهم الكثير من أصحاب الكفاءات الذين يقدمون خدمة جليلة للبلاد، وهم ممن تبحث عنهم الدول الأخرى، وتغريهم ليس فقط بالجنسيات، بل بامتيازات كثيرة.
كذلك هناك مشكلة أخرى نشأت من "السحب بالتبعية"، وهي معقدة جداً، فإذا كان الجد زيّف وتلاعب بالجنسية، فما ذنب الأولاد والأحفاد الذين ولدوا وعاشوا، وتعلموا، وتوظفوا في الكويت، والكثير من هؤلاء من أمهات كويتيات، أصيلات، أو كما بات متداول حالياً "أولاد بطنها"، وكانوا ممن يتكل عليهم في أحداث أو مناسبات عدة، وخدموا الدولة بكل التفاني والوطنية؟
الكثير من هؤلاء، وكذلك "البدون" ممن أمضوا في الكويت أكثر من 50 سنة وربما 60، ووفقاً لقانون الجنسية لديهم الحق في نيلها، رغم أن هناك من مات منهم وترك عائلة خلفه لم تكن تدري أنه مزور، وليس لها ذنب في ذلك، وشرعاً، قال الله تعالى في محكم التنزيل: "لا تزر وازرة وزر أخرى"، وفي الدستور العقوبة شخصية، بمعنى ألا يحاسب الشخص على جريمة ارتكبها آخر.
على هذا الأساس، وكما نعرف عن معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الشيخ فهد اليوسف، حرصه على الجوانب الإنسانية للجميع، أن تكون هناك حلول لهذه المشكلة، وكذلك أن يشرح للجميع الأسس الواجب اتباعها، كي لا تكون هذه الأزمة مولدة لأزمات أخرى.
نعم، معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الشق عود، لكن ليس هذا هو العلاج.
[email protected]