نقرأ في الصحف، عربية وأجنبية، ومحلية، ما ورد في تقرير وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز"، التالي: احتياطيات مالية ضخمة واستثنائية تسهم في تعزيز الوضع الائتماني للكويت، وتغطي عجز الموازنة المحتمل، وأصول مالية حكومية تتجاوز 600 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (نهاية عام 2024)، وتدار عبر صندوق الأجيال القادمة.
وان تصنيف القوة المالية عند "AAA" وهو الأعلى، ويعكس الملاءة العالية للدولة، كما ان هناك ثروة نفطية هائلة، وتكلفة إنتاجها منخفضة جداً، ما يجعل الكويت واحدة من أكثر الدول قدرة على الاستمرار كمصدر للنفط، وتقدر نسبة احتياطيات نفط مؤكدة انها تكفي لنحو 90 عاماً، وهي الأعلى بين دول الخليج.
أضف إلى ذلك أن مستوى دخل مرتفع جداً للفرد، يدعم الاستهلاك والاستقرار الاقتصادي، كما أن قرارات البنك المركزي قوية وحصيفة، وتعزز الاستقرار المالي والنظام المصرفي.
أضف إلى ذلك أن إقرار قانون الدين العام للتمويل والسيولة، بدءاً من أبريل الماضي، يفسح في المجال لإصدار سندات بقيمة 30 مليار دينار على مدى 50 سنة.
هذه الخلاصة التي وردت في تقرير الوكالة العالمية، وتعني أن الكويت لديها القدرة على المنافسة الصناعية، والخدماتية، والتجارية، وانها قادرة سريعا على التحول إلى مركز مالي وتجاري عالمي.
هذه الصورة المشرقة، والمتوقعة، التي تسعى إليها كل دولة لديها هذه الامكانات، بينما في المقابل، الامر واقعياً غير ذلك اطلاقا، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي نعاني من ازمة انقطاع التيار الكهربائي كل صيف.
ومنذ عام 1962 إلى اليوم، لم نعمل على بناء قاعدة اكتفاء ذاتي غذائي، بل اصبحنا في السنوات الاخيرة نستورد ما يزيد عن 95 في المئة من الغذاء.
منذ عام 1976، نعاني من سوء التعليم، ولم نجر اي دراسة عما تحتاجه سوق العمل الكويتي، ولم ننشئ بنية تحتية تعليمية وتربوية نعول عليها في المستقبل، بل زاد معدل العنف في المدارس والشوارع، وهذا ليس دليل عافية، انما اخفاق تعليمي وتربوي، وغياب التدريب على العمل.
منذ عام 1992 انحدر مستوى الخدمات العامة، والمرافق، والدليل الشوارع والطرق المحفرة، وهي اشارة واضحة لاي زائر على الكويت المتخلفة.
منذ بعد التحرير لم تعمل تلك الثروة على توزيع عادل للمشاريع التنموية، ولا إنشاء شراكة بين القطاعين الخاص والعام، تؤسس للاعتماد على العنصر الوطني، والاستفادة منه في بلورة عقيدة راسخة للعمل كمهمة وطنية، وليس وظيفة مقنعة لبطالة ترهق المالية العامة، في حين معدل انتاج الموظف في القطاع العام لا يتجاوز 23 دقيقة يوميا، وهذا بناء على تقارير موثوقة.
أضف إلى ذلك ان لا صناعة لدينا، يعول عليها، أقله في الخفيفة والتحويلية، ولا نطمح إلى صناعات ثقيلة، رغم أن ذلك ليس مستحيلاً، وهذا بحد ذاته كفيل بمدى تخلفنا.
استنادا إلى ذلك نسأل: كيف الكويت غنية، وكيف معدل الدخل مرتفع، وكيف أنها بلد ليس فيه عجز، وكل هذه المشكلات نعاني منها؟
إذا كان وضع الثروة الوطنية على هذا النحو، فأين المشكلة، هل هي بسوء الإدارة، او غياب التخطيط، او عدم التنسيق؟
لهذا فان الوضع بهذه الحالة يبدو مربكا ولا نعرف سبب العلة.