في مساء الاربعاء، جاءنا خبر وفاة الشيخ عبدالله السالم الصباح، وكنا نحضر ندوة في جمعية المعلمين، وكان موجوداً كعادته في كل مساء وزير التربية خالد المسعود، ورفيقا دربه وعضوا مجلس الامة خالد المضف وعبدالباقي النوري، لكن قطع هؤلاء الثلاثة الندوة، وغادروا المكان فدار همس وهمهمة ان الامير توفاه الله.
كان يرحمه الله يعاني من القلب، وكان الانكليز الذين كانوا لايزالون والى يناير 1961 في الكويت، التي كانت خاضعة للحماية البريطانية وفقاً لاتفاقية الحماية عام 1899، وكان يكفي اعلان وفاة عبدالله السالم حتى عم البلاد حزن شديد، وقتامة لم تعهدها البلاد.
الشيخ عبدالله السالم ظل يعاني المرض نحو الاسبوعين، والقى على الاطباء الذين يحيطون سريره بيتاً من الشعر "واذا المنية انشبت اظفارها رأيت كل تميمة لا تنفع".
كانت بداية النكسة الصحية في قاعة مجلس الامة يوم افتتاح جلسات المجلس، فسقط على الكرسي فسارع اليه عضو المجلس الدكتور احمد الخطيب، ورئيس المجلس، ورئيس مجلس الوزراء ولي العهد الشيخ صباح السالم، الذي اناب عنه بالقاء كلمة الحكومة، المرحوم الشيخ جابر الاحمد الصباح.
هل كان هناك في كل البلاد، كويتيون ومقيمون، ولقد بكت الكويت، كل الكويت، رحيل الشيخ الى مثواه الاخير، في صباح اليوم التالي الخميس 25 نوفمبر.
لم اشهد في كل حياتي حزناً عم البلاد مثل ذلك اليوم الحزين الاسود، وهذا يكفي حجم الحب الذي كان يبادله الناس، من مواطنين ومقيمين لهذا الرجل العظيم، ومن الامور الملفتة أن تقطع كل المحطات الاذاعية العربية، بما فيها اذاعة الـ" بي بي سي" و"اذاعة اسرائيل"، برامجها وتبث القرآن الكريم.
هنا نرى حجم مكانة هذا الرجل، ليس في الكويت، إنما في العالم.
إن عبدالله السالم لم يكن اميراً او حاكماً ينفرد بالحكم، فما إن جلس على الحكم حتى هل الخير على البلاد، فبدأ الاعمار، والنهضة التعليمية والصحية، وبنيت ثانوية الشويخ، ومدارس اخرى، وانتشر التعليم في كل مدن وقرى البلاد، وانتقل التعليم ليصل الى كل الديار الخليج حين تكفلت حكومة الكويت بالانفاق عليها، مثلها مثل مدارس الكويت.
في عهده صدر الدستور وكذلك شهدت البلاد اول انتخابات لمجلس الامة، وفي عهده بنيت مستشفيات ومرافق صحية مستوصفات في كل الكويت، وكان يعامل المقيم مثل الكويتي في كل الخدمات الصحية والتعليمية، كان مستشاروه وموظفو مكتبه، والديوان الاميري غالبيتهم من العرب.
عبدالله السالم لم يكن حاكماً او اميراً على دولة، بل لعله اب لكل الشعب من كويتيين ومقيمين، وعندما ارتجل الشاعر علي السبتي لحظة اعلان وفاته بابيات شعرية قائلاً: "بكيت دماً لو في الرزايا دم يجدي، وذوبت روحي كل روحي على خدي، ولكن من قد راح ليس بعائد، فهل ترجع الايام من كان في اللحد".
ثم يقول: "امير حباه الود حتى كأنه يرى الشعب ابناء كخالد او سعد، عظيم له في كل قلب مكانة سيخلد في الدنيا وفي الخنة الخلد".
رحم الله عبدالله السالم كان أباً لكل الكويت وحاكماً احبه الشعب، ولا يزال هناك من يتحدث عنه ولا يزال هناك من يبكيه.
ان العظماء لا يموتون، فاعمالهم تتحدث عنهم، رحمك الله، هناك من لا يزال يبكي عليك، وهناك لا يزال الكتاب مفتوحاً، الذي لا يزال يقرأه الكويتيون، فسلام عليك حين ولدت وحين مت وحين تبعث حياً.
صحافي كويتي
[email protected]