الجمعة 06 يونيو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الاستثمار في الاستقرار
play icon
كل الآراء

الاستثمار في الاستقرار

Time
الأحد 01 يونيو 2025
View
40
د.سامي العدواني

في منعطف تاريخي تشهده المنطقة، وتحديداً في ظل تحولات دولية لافتة، يأتي استقبال الكويت الرئيس السوري أحمد الشرع، بهذه الزيارة التي تحمل في طياتها أجندة سياسية واقتصادية، وكذلك إنسانية، لا تقتصر أهميتها على بعدها الديبلوماسي فقط، بل تمثل دعوة صريحة لـ"الاستثمار في الاستقرار"، إنها مقاربة تنموية جديدة، تكتسب زخماً خاصاً بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، مما يفتح نافذة أمل في جدار الحصار، الذي أثقل كاهل الاقتصاد السوري وشعبه.

إن قيمة هذه الزيارة تكمن في قدرتها على إرساء أسس شراكة تنموية حقيقية بين البلدين، شراكة تتجاوز الإطار التقليدي للعمل العربي المشترك، إلى مقاربة تستوعب المتغيرات في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها الإقليم، من صراع على الموارد، وموجات هجرة العقول البشرية، وتغيرات مناخية ضاغطة.

إن واقع سورية اليوم يشهد تحديات لا يمكن تجاهلها، فالحديث عن مستقبلها يتطلب مواجهة الحقائق المرة التي يفرضها الواقع الحالي، فهناك تقارير البنك الدولي ولجنة الإسكوا تشير إلى أن الاقتصاد السوري قد شهد انكماشاً هائلاً تجاوز 64 في المئة مقارنة بعام 2010، الأرقام تتحدث عن نفسها ذلك أن 69 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، و27 في المئة منهم يعانون من الفقر المدقع.

أما البنية التحتية فقد تعرضت لدمار واسع النطاق نظراً لكون أكثر من 70في المئة من محطات الطاقة معطلة، وتقلص إنتاج الكهرباء بنسبة تجاوزت 80في المئة.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي ترجمة لمعاناة نصف الشعب السوري، الذي أصبح بين نازحٍ ولاجئ، فالدولة تواجه إشكالات "مركبة" ومعقدة، كما نصفها في عوالم التنمية تتجاوز مجرد إعادة الإعمار المادي، لتشمل استعادة الكفاءات المهاجرة، وتجاوز ذاكرة الحرب الأليمة، وبناء مستقبل مستقر.

إن زيارة الكويت التي كانت سبّاقة على الصعيد الإنساني، والتزمت تقديم أوجه الدعم والإنماء منذ بدايات الأحداث حتى الأيام الأخيرة قبل الثامن من ديسمبر الماضي، قدمت دعماً وصفت الأمم المتحدة الكويت بـ"الدولة الأكثر سخاء"، كانت حصة السوريين داخل وخارج بلادهم هي الأوسع والأشمل منذ بداية الأزمة.

ونحن اليوم في هذه المرحلة الراهنة التي تتطلب تحولاً نوعياً نحو الشراكة التنموية والانتقال من الإغاثة إلى الاستدامة، ومن الإعانة إلى الشراكة.

هذا التحول يخدم مصالح البلدين على حد سواء، ويمكن أن يجري عبر مسارات عملية واضحة، عبر إطلاق صندوق كويتي-سوري لإعادة الإعمار، يمكن أن يتأسس وفق رؤية تنموية شاملة، لا تقتصر على الإنشاءات المادية، بل تمتد لتأهيل الإنسان السوري، وتطوير القطاعات الإنتاجية الحيوية، كالزراعة والصناعة والخدمات.

إن الاستثمار في البنية التحتية يجب أن يترافق مع الاستثمار في رأس المال البشري.

كما أن فتح السوق الكويتي أمام الكفاءات السورية المؤهلة، والطاقات البشرية ذات القدرات العالية في مجالات الصحة، أو التعليم والبرمجة، والهندسة، واستقطاب هذه الكفاءات يمكن أن يملأ الفراغات المهارية في السوق الكويتية، ويخلق فرصاً مستقرة للعائلات السورية، ويسهم في التنمية الاقتصادية للبلدين.

ولعل تشجيع القطاع الخاص الكويتي على الدخول الآمن إلى السوق السورية، من خلال توفير ضمانات حكومية، واتفاقيات ثنائية تحفظ رؤوس الأموال، ستساعد على أن يؤدي هذا القطاع الكويتي دوراً محورياً في عملية إعادة الإعمار، وفتح آفاق واسعة للتصدير، والاستثمار المتبادل.

إذا أردنا شراكة نحو المستقبل لسورية، وأن تستعيد مكانتها كركيزة حضارية في المشرق العربي، فعلينا أن نعيد تعريف "الاستقرار" من كونه أمنياً بحتاً إلى كونه تنموياً شاملاً، فالتنمية المستدامة كما نصت عليها أجندة الأمم المتحدة 2030 لا تقتصر على النمو الاقتصادي، بل تشمل أبعاداً اجتماعية، وكذلك بيئية.

إن سورية، التي تسعى للخلاص من ركام الحرب، في أمسّ الحاجة إلى بنية تنموية تتبنى التعليم المستمر، وأن تمحو الأمية الرقمية، لتمكين الأجيال القادمة من مواكبة متطلبات العصر، وأن تواكب الزراعة الذكية، وتكافح التصحر لضمان الأمن الغذائي وحماية الموارد الطبيعية، وأن تستلهم نهج الحوكمة الرشيدة، وتواجه جذور الفساد لبناء مؤسسات قوية وشفافة.

كذلك أن تستعيد بناء النسيج المجتمعي الذي مزقته سنوات الصراع، عبر استكمال المصالحات الوطنية، والتماسك الاجتماعي، وأن تضمن مشاركة فاعلة للمرأة والشباب في عملية الإنتاج والإدارة.

إن الكويت بما تمتلكه من رصيد إنساني، وعلاقات دولية واتزان سياسي، مؤهلة أن تكون شريكاً موثوقاً في هذا التحول، إذ يمكنها دعم المشاريع ذات الأثر المستدام، وتوجيه المنظمات الخيرية نحو برامج التمكين بدلاً من الإغاثة الموسمية، وتبني خطاب إعلامي يعكس هذا التوجه البناء.

إن زيارة الرئيس السوري إلى الكويت ليست مجرد عنوان لحدث ديبلوماسي عابر، أو كما يعتقد البعض تأكيد لشرعية الحكم الجديد، بل هي فرصة تاريخية لصياغة نموذج مغاير من الشراكات العربية يتجاوز التباين، ويُعيد تعريف العلاقات بين الدول والشعوب في أمنها، وبقائها واستدامتها.

لقد دمرت الصراعات والنزاعات الديموغرافيا والجغرافيا، ولكن التنمية المستدامة النابعة من السياق قادرة على إعادة هندسة المستقبل.

خبير استدامة

[email protected]

آخر الأخبار