منذ إعلان الوحدة اليمنية عام 1990، تعلّق اليمنيون والعرب بآمال كبيرة على مشروع بدا واعداً بمستقبل مشترك، ودولة موحدة تنهض من ركام الصراعات والحروب، كنواة لوحدة عربية أشمل.
غير أن ما تلى ذلك كشف عن هشاشة تلك الوحدة، التي لم تُبنَ على شراكة حقيقية، ولا أسس العدالة والمواطنة المتساوية، بل تحولت سريعاً أداة للهيمنة وتهميش الجنوب، وصولاً إلى حرب صيف 1994، التي قضت على حلم الوحدة الطوعية، وأعادت إنتاج السيطرة بالقوة.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، بات واضحاً أن اليمن لن يعرف طريق السلام دون الاعتراف الكامل بالقضية الجنوبية بوصفها قضية وطنية عادلة، لا يمكن اختزالها، أو تجاوزها عبر حلول جزئية، أو مقاربات فوقية، تتجاهل إرادة الشعب الجنوبي وحقه في تقرير مصيره.
لقد عانى أبناء الجنوب من تهميش سياسي واقتصادي ممنهج، تجلى في الإقصاء من مؤسسات الدولة، والسيطرة على الموارد، والتعامل مع الجنوب كمجرد غنيمة حرب، لا كشريك وطني له تاريخه وكيانه وموقعه الحضاري.
ومن رحم هذا الواقع، انطلق الحراك الجنوبي السلمي عام 2007، متحولاً من المطالبة بالإصلاح والشراكة إلى الدعوة الصريحة لاستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.
هذا المطلب ينسجم مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، اللذين يقران حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وقد أثبتت التجربة أن الوحدة القسرية لا تصنع الاستقرار، بل تُنتج صراعات مزمنة، كما هي الحال في اليمن منذ أكثر من عقد.
لقد أكدت مسارات التفاوض، من مؤتمر الحوار الوطني، وحتى المشاورات الأخيرة، أن تغييب القضية الجنوبية عن طاولة الحلول الجادة يؤدي إلى نتائج هشة وموقتة، فلا معنى لأي تسوية لا تعالج جذور الصراع، وفي مقدمتها الظلم التاريخي الواقع على شعب الجنوب.
وانطلاقاً من ذلك، فإن السلام العادل والمستدام في اليمن والمنطقة يتطلب خارطة طريق واضحة، تقوم على المبادئ التالية:
1- الاعتراف بحق الجنوب في استعادة دولته على حدود ما قبل 22 مايو 1990، وفقاً لإرادة شعبية يُعبَّر عنها عبر استفتاء نزيه بإشراف دولي.
2- صياغة علاقة مستقبلية متكافئة بين دولتين متجاورتين– الجنوب واليمن– تقوم على التعاون والشراكة، لا التبعية والهيمنة.
3- مواءمة المواقف، الإقليمية والدولية، مع تطلعات الشعوب، لا مصالح النفوذ، والامتناع عن فرض حلول ترقيعية تتجاهل خصوصية القضية الجنوبية.
4- تحديد مرحلة انتقالية بقيادة مجلس رئاسي موحد (من عامين إلى خمسة أعوام)، يتم خلالها ترتيب فك الارتباط بشكل تدريجي، عبر تشكيل حكومتين:
* حكومة جنوبية في عدن يشكلها المجلس الانتقالي الجنوبي وحلفاؤه، تتولى إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة.
* حكومة في تعز أو مأرب خاصة بالشمال اليمني، تُكلّف بإجراء مفاوضات مع الحوثيين، وصولاً إلى تسوية شاملة، وتشكيل حكومة تشاركية في صنعاء.
5- إعلان فك الارتباط رسمياً بعد نهاية المرحلة الانتقالية، تحت إشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، و"مجلس التعاون" الخليجي، وقيام الدولتين بصورة سلمية ومنظمة.
إن تسوية عادلة للقضية الجنوبية لا تعني مجرد فك ارتباط سياسي، بل تمهّد الطريق لإرساء دعائم استقرار إقليمي طويل الأمد. فالجنوب، بثرواته وموقعه الستراتيجي ومجتمعه المتطلع لبناء دولة حديثة، قادر على أن يكون ركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة، إذا ما ضُمن له حقه المشروع في تقرير مصيره.
ختاماً، آن الأوان للمجتمع الدولي والدول الفاعلة في الملف اليمني أن ينتقلوا من مرحلة إدارة الأزمة إلى صناعة الحل، وأن يتبنّوا القضية الجنوبية كعنصر محوري في أي تسوية شاملة. فالحل العادل، وإن تأخر، يظل أضمن من تسويات مفروضة تنهار أمام عدالة المطالب وغضب الشعوب.
ديبلوماسي وكاتب سياسي - جنوب اليمن