الجمعة 06 يونيو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
لو رُكِّب للبنان أجنحة
play icon
كل الآراء

لو رُكِّب للبنان أجنحة

Time
الثلاثاء 03 يونيو 2025
View
10
د.جورج شبلي

لقد حفرَت الشّمس خيالها في جسد لبنان لطول انتظاره الفَرَج بالسّلام.

ولعل موقع بلادنا لم يكن، كما فصّله بعضهم، مميّزاً، ومَعبراً للغرب الى الشّرق، وصِلة بين الحضارات، والنقطة الطليقة الواحدة في محيطٍ مقيَّد.

لسنا نُنكر أنّ بلاد الشّمس كانت تغرِّد، مناخياً، خارج سرب المنطقة، لكنّنا لسنا نُنكر، في الوقت نفسه، أنّ بعض المنطقة لم يضمن للبنان فرادته، واعتبره لا يُشبهه، إنْ في تطبيق دستور يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وإِنْ في النّظام الديمقراطيّ الذي صان الحريّة، وإِنْ في مبادئ العدالة، وإِنْ بالانفتاح على الفكر النّهضويّ كجسر عبور الى التمدّن لبناء طلَّة الوطن على العالَم، بديلًا عن الإنعزال والتَّقوقع الإيديولوجيّ.

إنّ علاقة لبنان مع الواقع الجغرافيّ القريب لم تعرفْ إلّا سلسلة انتكاسات، فهذا القريب نكث عهد الأخوّة، وحوّل ملمح العلاقة أَسْوَد الصفحة، وخير دليلٍ ما مرّ، عندنا، من إعصار الفِتَن، وخُطَط الإنتهاك، ولَهيب الاستقواء، ما منع الوطن من أن يتصبَّح بالسّلامة مع كلّ شمس.

ومهما مدحت الخطابات الروابط، لإيهامٍ بالمودّة، فهي لم تكنْ إلّا ثوباً مستعاراً يخفي موبقات، لم يستطع صانعوها تمويهها.

لقد كتب الكثيرون شِعراً في هذا البلد الرّائع، الذي ينهل طيب الحياة من دون أن يتنبّه لغَدر الزّمن، لكنّ الشِّعر لا يُزيل الرّماد الذي ذُرَّ في جنبات الوطن، بسلوك الكره، والشرّ، وزلزلة الكيان، وسَحق الهويّة.

كلّ ذلك جعل الوطن يعيش في خشية دائمة، فلا دَوره ذو الخصوصيّة الرّائدة حصَّنه، ولا تَشارُك ناسه المُختلِفو التوجّه في صيغة نموذجيّة، كسر الطَّوق الذي فرضه الأقربون، ولا كونه ملجأً لمعاقل الجماعات المضطهَدَة، جعله مكان تقدير.

من هنا، لسنا نتطرَّف إِن استنتجنا أنّ لبنان لم يكنْ إلّا عالة خافها الأقربون، حتى لا تتفشّى حالتها في مساحة سلطاتهم، ما يمكن أن يُنَبِّه ناسهم الى حقوقهم، فيثورون.

لقد ساهم المحيطُ القريب بأن ينشأ خليط ناس البلاد، على التَطَيّف البغيض، حتى بات شعب لبنان شعوباً غير متجانسة، ومتنافرة، نشبت بينها صراعات وحروب، ولم تكن فترات السِّلم إلّا ناراً تحت الرّماد، تنتظر خارجاً يحركشها.

وأكثر من ذلك، فإنّ هذا الخارج، أيّاً كان اسمه، كان تدخُّله في البلد دائمياً، وكارثياً، يقلِّب فئة على فئة، وطائفة على طائفة، ومنطقة على منطقة، وأكثريّة على أقليّات، بدافع توسُّعي، أو انتدابي استعماري.

وعلى مدار الزّمن، أُقحِم لبنان في مواجهات داخليّة مستمرّة، حامية أو باردة، ولم يتصاعد من اجتماع قادته، مرّةً، الدّخان الأبيض.

أمّا الحياد الذي يُبعد لبنان عن التكتّلات، وعن النّزاعات، والتوتّر، ويجنّبه الانزلاق في الصّراعات والحروب، فهو نظام يؤمّن للوطن استقراراً، ويجعله واحة سلام منيعة، ويحمي سيادته واستقلاله.

ومع هذا، فإنّ المواقف منه كانت متباينة، فالذين عارضوه، اتّخذوا هذا الموقف بعد أن تلقّوا أمر الخارج، ولمصلحة هذا الخارج، بالذات، والذي تلطّى بالقضيّة الفلسطينية التي باتت شمّاعة يوظّفها كلٌّ لمصلحته، من دون مصلحة فلسطين نفسها. ونَسأل: ماذا أفاد لبنان من عدم حياده؟

لقد تلقّى العدد الأكبر من الفلسطينيّين الذين تركوا بلادهم، بين العامَين 1947 و1948، وأمّن لهم المستلزمات الأساسيّة، وكان رأس الرّمح في الدّفاع عن قضيّتهم، لكنّهم انقلبوا عليه، مع بعض أهله، ودفّعوه الثّمن الباهظ على مستوى أمانه، واستقراره، ونموّه، وقدّموا الحجّة لعدوّه ليشنّ حرباً عليه، وصيّروه، بالإتّفاق مع بعض الأشقّاء الأقربين، ساحة وحيدة لتصفية حساب الصّراع مع العدوّ، كما لتصفية حساباتهم بالذّات.

وتكبّد لبنان الخسائر، في البشر والحجر، من دون غيرِه من "الغَيارى" على القضية الفلسطينية، ولمّا يزل، وحرب الإسناد خير برهان.

بعد ملامسة هذا الواقع الأليم، أوليس حرياً بنا أن نسعى إلى تركيب أجنحة للبنان، لننقلَه الى أيٍّ من أمكنة الجغرافيا، وبالتّحديد الى القرب من الأشقّاء المُثقَلين بالخير، في الخليج العربي، الذين لم يتردّدوا، يوماً، في مَدّ يَد المساعدة الى لبنان، وعلى مستويات الدّعم المادّي، والاقتصادي، والسّياحي، والإنساني، والصحّي، والستراتيجي، واستضافة الطّاقات الشابّة طالبي لقمة العيش، فشكّلوا، بذلك، المتنفّس الوحيد الذي عوَّل عليه لبنان، وكلّ شعبه، لتحقيق نقلة نوعيّة باتّجاه شمس الصّباح. إنّ لبنان الوفيّ يقول لأشقّائه في الخليج: إنّكم، حقًّا، بابٌ من أبواب الجنّة.

كاتب وأستاذ جامعي لبناني

آخر الأخبار