قصص إسلامية
يحيى بن محمَّد بن هُبَيرة، ويُكنى أبا المظفَّر، ويُلقَّب بعون الدِّين، وينعت بالوزير العادل، وُلِد في ربيع الآخر سَنَة تِسع وتسعين وأربعمائة في قرية بني أوقر، وهي قريبةٌ مِن بغداد، وعُرِفت فيما بعدُ باسم الوزير ابن هبيرة؛ لأنَّه أقام فيها مسجداً ومدرسةً على ما ذَكَر ياقوت في "معجم البلدان".
ابنُ الجوزي، وهو صاحبُ ابن هبيرة وقريب منه، ينقُل لنا عنه أنَّه كان في مطلَع حياته شديدَ الفقر، حتى إنَّه كان لا يَجِدُ رغيفَ الخبز ليَعبُرَ به نهر دِجلة.
وقد أشار ابن خَلِّكان أنَّ والد ابن هبيرة كان جُنديّا، ولم يمنعِ الفقرُ ابنَ هبيرة من طلبِ العلم والحرْص عليه، فدخَل بغداد شاباً، وجالَسَ الفقهاءَ والعلماء والأدباء، وسمِع الكثيرَ مِن الحديث، وحصَّل مِن كلِّ فنٍّ طرَفاً، فاطلع على أيام العرب وأحوال الناس، وحفِظ كتاب الله وختَمَه بالقراءات والرِّوايات، وتعلَّم صناعة الإنشاء.
سعَى إلى كسبِ الرِّزق، فعمل في المخازن السلطانيَّة، فتجلَّتْ أمانتُه وكفاءته، فقُلِّد الإشرافَ والرِّقابة على المخازن، فبان نصحُه، فتولَّى في سنة 542هجرية رئاسةَ المخازن؛ أي صاحب الديوان.
وظهَر للخليفة العباسي المقتفي بأمر الله (555هـ) كفاءةُ ابن هبيرة للاداء في مهمِّات المُلْك، فاستدعاه في سنة 544هـ إلى داره وقلَّده الوَزارة، وهو أمر يدلُّ على وجود الفُرْصة المتاحة لكلِّ مسلمٍ للوصول إلى أعلى المناصِب على أساس من الكفاءة والجدارة.
اتَّبع ابنُ هبيرة الحقَّ في الحُكم، وحَذِر الظلمَ، فحقَّق العدل، وقرَّب خيارَ الناس مِن الفقهاء والمحدِّثين، والصالحين إليه، وكانتْ أمواله مبذولةً لهم ولتدبيرِ الدولة، وارتفع به أهلُ السنة غايةَ الارتفاع، ونقَل لنا ابن الجوزي عنه أنَّه قال أثناء وزارته:
"والله لقدِ كنتُ أسأل الله تعالى الدنيا لأخدمَ بما يرزقنيه اللهُ منها العلمَ وأهلَه".
وكانتِ السَّنَة تدور وعليه بعضُ الديون، حتى قال فيه بعضُ الشعراء:
"يَقُولُونَ يَحْيَى لاَ زَكَاةَ لِمَالِهِ
وَكَيْفَ يُزَكِّي الْمَالَ مَنْ هُوَ بَاذِلُهْ
إِذَا دَارَ حَوْلٌ لاَ يُرَى فِي بُيُوتِهِ
مِنَ الْمَالِ إِلاَّ ذِكْرُهُ وَفَضَائِلُهْ".
ذكر ابن رجب في "طبقات الحنابلة" أن الوزير ابن هبيرة، الحنبلي العالم العابد، أن رجلا دخل عليه فأعطاه مالاً جزيلاً ومسح على رأسه، فقال الناس له:"ما لك مسحت على رأسه"؟ قال:"عفوت عنه".
قالوا: "كيف عفوت عنه"؟
قال:"لما دخل عليَّ عرفني ولم أعرفه، هذا الرجل ضربني ونحن شباب في رأسي، فأذهب عيني، فلا أبصر بها منذ أربعين سنة، فلما دخل عليَّ عفوت عنه".
يقول أهل العلم: حج ابن هبيرة، فلما أصبح في منى وحجه هو والناس على نفقته وعلى ماله، قحط الناس وأجدبوا وأشرفوا على الهلاك؛ لأنهم ما عندهم ماء، فصلى ركعتين ودعا الله فأتت غمامة بإذن الله فنزلت وهلت، وأمطرت حتى شربوا الثلج ذاك اليوم.
فيقول وهو يبكي: يا ليتني سألت الله المغفرة.
امام وخطيب
[email protected]