في كتاب "مأزق التنوير العربي: صراع العقائد وبنية التحالف الرجعي" الصادر عن دار روافد، يقدم المؤلف صبحي موسى تأملا عميقا في أسباب تعثر حركة التنوير العربية، متسائلا: لماذا ظل التنوير العربي عالقا في نقطة البداية؟ ولماذا لم يتمكن من تحقيق النجاح كما فعل نظيره التنوير الغربي؟ يحلل الكتاب هذا المأزق الذي نعيشه عبر عدسة تأثير التحالفات الرجعية التي تقاوم التغيير بكل ما تملك من قوة وأدوات، مازجا بين التحليل التاريخي المشوق والنقد الفلسفي البديع بلغة مبسطة تدخل قلوب الأكاديميين وسواهم من غير المتخصصين.
في التمهيد والمقدمة، يبدأ موسى بعقد مقارنة بين التنوير الأوروبي والعربي، موضحا إلى أن النهضة الأوروبية قامت على ثلاثة أعمدة رئيسية: الإصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر، الثورة الصناعية التي أعادت تشكيل البنية الاجتماعية، والفلسفة التي قدمت رؤى جديدة للعقل البشري من خلال أعمال ديكارت وسبينوزا وفولتير، وغيرهم الكثير، هذه العوامل الثلاثة لم تكن مجرد أحداث متفرقة، بل شكلت نسيجا متكاملا أنتج تحولا جذريا في الوعي والمجتمع، فعلى سبيل المثال: الطابعة، التي اخترعها جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر، والتي أحدثت دويا كبيرا، وكانت سببا رئيسيا في نشر أفكار التنوير الغربية، وصلت لبنان في القرن السادس عشر ولم تصل مصر إلا مع الحملة الفرنسية عام 1798، ما يعكس تأخر العالم العربي في استيعاب أدوات المعرفة.
الثورة الصناعية، بدورها هي الأخرى، أعادت تشكيل المجتمع الأوروبي، فمن خلالها نشأت طبقتي البرجوازية والبروليتاريا، وتحولت السلطة من يدى البابا والملوك إلى الشعب والقوانين الوضعية.