الجمعة 13 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
ضمير المسؤول
play icon
كل الآراء

ضمير المسؤول

Time
الثلاثاء 10 يونيو 2025
View
30
أحمد الدواس
مختصر مفيد

قبل ألف سنة، كان ابن السقا فقيراً يخدم قضاة قرطبة في الأندلس، وكان ظاهره يخفي مساوئ أخلاقية، فارتقى أعلى المناصب، وأصبح مشرفاً على بيت المال، فمد يده إلى مال الدولة ينفقه كما يريد، فاُغتيل، وكانت هذه نهايته.

عندئذٍ اجتمع القضاة في قرطبة، وتأكد لهم أن ابن السقا كان فقيراً، لكن بعد وفاته خلف لأهله تركة طائلة جُمعت من مال حرام، ونُهبت من أموال الشعب، فأجمع الفقهاء على بطلان وصيته، وأن تؤول جميع أمواله إلى بيت المال (وزارة المالية في وقتنا الحاضر).

هكذا سبقت الدولة الإسلامية في الأندلس دول العالم بإقرار مبدأ وقانون "من أين لك هذا"؟ الذي لم يعرفه العالم المتقدم إلا في العصر الحديث، فلقد سبق العرب العالم في كشف الذمة المالية ومحاسبة المُفسد.

ومن بين القصص الرائعة في القيادة، قصة أحد الكويتيين قال فيها: "دعاني رئيس وزراء إرلندا الى عرس ابنته في إحدى قرى ارلندا فذهبت معه، وعندما رجعنا معاً في الطريق صادفنا رجال الشرطة فأمسكوا به لأنه تجاوز الإشارة الحمراء، ومنعوه من قيادة السيارة، وهو رئيس وزراء، فتقدمت لهم وأخبرتهم بأن لدي رخصة قيادة، وفعلاً قدت السيارة بدلاً منه، وفي اليوم التالي دخلنا على قاضي المرور الذي حكم عليه بالسجن ستة أشهر، والغرامة، وتم سحب رخصة القيادة منه سنة كاملة.

اندهشت من قرار القاضي بسجن رئيس الحكومة وتغريمه، وبالفعل تمت إحالته الى إدارة السجون الى جانب القصر الجمهوري، مع ان باستطاعته أن يُجند كل طريقة حتى يخرج، فتعجبت وسألته: "كيف تستطيع وأنت داخل السجن إدارة دولة، فقد عرفت من ضابط السجن أنك تأتي الى السجن من المغرب وحتى الصباح، ثم تزاول عملك في صباح اليوم التالي، فإذا انتهى دوامك تعود مرة ثانية إلى السجن، وسألته من أين لكم هذا القانون؟

أجاب: منكم انتم العرب، من نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب، وبتتبع هذا القانون وجدناه في القانون الفرنسي".

كذلك ارتدى رئيس وزراء النرويج ينس شتولتنبرغ زي سائق سيارة أجرة، ونقل بعض الركاب في شوارع العاصمة أوسلو، لساعات عدة، متستراً ليتعرف على آراء شعبه، فمن وجهة نظره، انه بهذه الطريقة يستطيع تلمس حاجات الناس ومشكلاتهم.

وفي أوروغواي، كان يُطلق على رئيس الدولة الأسبق خوسية موخيكا لقب أفقر رئيس دولة في العالم، إذ كان يمتلك سيارة "فولكس واغن" طراز 1987، ويتبرع بنحو 90 في المئة من راتبه لمساعدة الفقراء، وعاش بمنزل متواضع، وقبل أيام توفي هذا الرئيس الفقير.

ومن براعة الأداء لدى المسؤول الحكومي ان يكون قريباً من الناس يتعرف على أحوالهم، أو يعمل بضمير حي، ففي إيطاليا، عندما اختير جوزيبي كونتي رئيسا للوزراء ذهب الى قصر الرئاسة لمقابلة رئيس الجمهورية، وهو تستقله سيارة "تاكسي"، فيما توجه عمدة لندن صادق خان إلى مقر عمله الجديد في الباص، أما وزير الخارجية الألماني الأسبق يوشكا فيشر فقال: "ان الشيء الوحيد الذي أمتلكه هو رخصة قيادة "تاكسي"، وأنا فخور بذلك".

في الأمثلة السابقة يظهر الضمير الحي والقدوة الحسنة، سواء لدى رئيس الدولة أو المسؤول الحكومي، وهو مايتمناه شعب كل بلد.

في مايو 1953 قال تشرشل، بصيغة الأمر: "ادرس التاريخ، ففي التاريخ تكمن كل أسرار فن الحكم"، ويقول الكاتب الانكليزي ألدوس هكسلي: "ان البشر لا يستفيدون كثيراً من دروس التاريخ".

[email protected]

آخر الأخبار