مرّت الكثير من الأحداث في تاريخ الحج إلى مكة المكرمة، وكانت هناك محاولات للسعي إلى السيطرة عليها، لكن الله حماها، حتى في أشد الظروف حلكة، ومنها فتنة "القرامطة" التي قادها أبوطاهر القرمطي حاكم البحرين، وهو في الوقت نفسه قاطع طريق.
ففي عام 908 ميلادية، أغار مع جنوده على المسجد الحرام، في يوم التروية، وقتلوا نحو 30 ألف نفس، وسبوا النساء، وسطوا على كل ما يقع تحت أيديهم، كما سرقوا الحجر الأسود، وغيّبوه 22 سنة، حتى هزيمتهم واسترداده، وهدم الكعبة المزيفة التي أقاموها لجعل الناس تحج إليها، وكان قتلهم بأشبع الطريق عقاباً إلهياً على ما اقترفوه.
إضافة إلى ذلك، أن هؤلاء ولكي يمنعوا الناس من الحج إلى مكة، ارتكبوا مجازر كبرى في طريق الحجاج، فألغى أهل الشام والعراق الحج لشدة الرعب منهم، فكانت الطريق محفوفة بالمخاطر، وعاشت تلك الطريق عقوداً تحت سيطرة الغوغاء، وعصابات السلب والنهب، حتى جاء الملك عبدالعزيز آل سعود، ووحّد هذه الدولة العظيمة، وفرض الأمان في الطريق إلى مكة.
منذ ذلك التاريخ، بدأ الأمن يستتب، فيما عملت الدولة، آنذاك، على تقديم كل ما يحتاج إليه الحجيج، وزوار البيت الحرام، تصديقاً لقول الله تعالى: "وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...".
اليوم، وفي موسم الحج من كل عام، تفاجئ قيادة المملكة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده النشيط الأمير محمد بن سلمان، الناس بكل جديد، أكان في التوسعة المستمرة، أو في الخدمات لراحة الحجيج، الذين يفدون إلى مكة المكرمة من أقاصي بقاع الأرض.
هذا النجاح تُوِّج في الموسم الأخير، إذ لم تسجَّل أي أوبئة أو موت جراء حوادث، لأن الفرق الطبية كانت كلها جاهزة على أهبة الاستعداد، كذلك دخلت التكنولوجيا للمرة الأولى، عبر الذكاء الاصطناعي أو الـ"درونز" التي خُصّصت لمتابعة الحجاج على مدار الساعة.
لا شك أنه عندما تحرك نحو مليوني نسمة في بقعة محدودة المساحة سيكون هناك الكثير من المتاعب، والضحايا، لكن جراء التنظيم المبكر والتخطيط المحكم، فإن موسم هذا العام لم يشهد أي حوادث تذكر، والحجاج أدوا المناسك بكل لطف وأريحية من دون شغب، أكان في الطواف حول الكعبة، أو الوقوف على جبل عرفات، أو المبيت في منى، أو مزدلفة.
إن هذه التطورات في خدمة الحرمين الشريفين كانت منذ السنوات الأولى للدولة السعودية الحديثة، ديدن جميع ملوكها، كما من المعروف أن أهل مكة، والكثير من السعوديين، ينتظرون هذه المناسبة العظيمة كي يعملوا على توفير كل مستلزمات زوار البيت العتيق، أكان في تقديم المساعدة، أو التبرع بالمواد الغذائية، وحتى توفير المسكن لمن ليس لديه مأوى.
على هذا النجاح الباهر في حج من دون حوادث، تستحق حكومة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان كل الشكر، على هذا التميز في كل شيء.