السبت 14 يونيو 2025
44°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
هل سيادة القرار الكويتي محصنة من التأثر  بالمال الخارجي؟
play icon
كل الآراء

هل سيادة القرار الكويتي محصنة من التأثر بالمال الخارجي؟

Time
الخميس 12 يونيو 2025
View
60
عبدالعزيز محمد العنجري

في سياق السعي لفهم عمق تأثير أدوات النفوذ داخل الدولة، وضررها، نستعرض تجربة جريئة نفّذها جهاز أمني أميركي لكشف من باعوا مصالح وطنهم مقابل المال.

تجربة تُظهر أن الخطر الأكبر لا يكمن في مَن يُعلن عداءه، بل في مَن يتلبّس ثوب الوطنية والانتماء، وهو في الحقيقة ينتظر الصفقة المناسبة من الخارج.

كيف نكتشف هؤلاء، وكيف نمنع تغلغل النفوذ الناعم داخل مراكز التأثير؟

هذه المقالة جزء من سلسلة نفتح فيها ملف "النفوذ الخفي"، ذلك الذي لا يصدر قرارات، لكنه يعرقل بعضها، ويُميت أخرى في مهدها.

في أواخر السبعينات، نفّذ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي عملية سرّية عُرفت بـ"آبسكام" (ABSCAM)، استخدم فيها عملاء متخفين، انتحلوا صفة رجال أعمال عرب أثرياء، لاختبار مدى قابلية مشرعين أميركيين، من أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، لتلقّي أموال مقابل وعود سياسية.

الفضيحة التي هزّت واشنطن لم تكن مجرد حملة على الفساد، بل تجربة أمنية لقياس منسوب القابلية لبيع القرار، وشكّلت صدمة للرأي العام الأميركي، ومفترق طرق في التعامل مع النفوذ الأجنبي داخل أروقة السياسة.

أسفرت العملية عن التحقيق مع ما لا يقل عن 31 مسؤولاً عاماً، أُدين منهم 19، بينهم سبعة أعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ، إضافة إلى عدد من المسؤولين المحليين.

وقد وُثّقت اللقاءات بالصوت والصورة، ما جعل الأدلة صادمة وغير قابلة للإنكار.

شكّلت العملية محطة حاسمة عززت من ثقة الرأي العام بقدرة المؤسسات على محاسبة الفاسدين، وكشفت عن هشاشة الطبقة السياسية أمام المال الأجنبي، في مرحلة كانت فيها واشنطن قلقة من صعود الثروة العربية، وتأثيرها المحتمل على القرار الأميركي.

لكن، ماذا لو عكسنا المشهد، ماذا لو قررنا في الكويت، من باب التقييم المؤسسي، تنفيذ عملية شبيهة، محمية وسرية، هدفها اختبار من هم في موقع التأثير داخل المشهد السياسي، الإداري، أو الإعلامي: من منهم مستعد لتلقّي أموال من جهات خارجية - عربية أو أجنبية - مقابل التأثير في القرار الكويتي؟

هل نحن بمنأى عن سيناريو مماثل، وكيف نُجيب عن هذا السؤال ونحن نعيش في ظل غياب أدوات الاختبار؟

فمن يرفض في العلن قد لا يصمد في الغرف المغلقة، ومن يتغنّى بالمبادئ قد يكشفه ظرف مالي أو وعد بمنصب وظيفي.

قد يقول البعض إن "آبسكام" استهدفت مشرّعين ونواب "كونغرس"، بينما حديثنا هنا يشمل أكاديميين وإعلاميين وكتّابا.

لكن في بلد صغير مثل الكويت، حيث دوائر التأثير متداخلة، لا تُقاس فاعلية الدور بالمنصب الرسمي فقط، بل بقدرة الشخص على الوصول إلى الجمهور.

فالكاتب قد يُحرّك الرأي العام من مقالات او مداخلات تلفزيونية، وأستاذ الجامعة قد يُعبّر عن نغمة في ندوة، او جلسة حوار ليصنع اصطفافات داخل المجتمع، بل حتى مسؤول متوسط قد يُمرّر مشاريع، أو يُعطّل أخرى. وبالتالي، فإن من يبدو "مدنياً"، أو "ثقافيا" في موقعه، قد يكون أكثر خطورة من صاحب القرار نفسه، إذا كان يُنفّذ أجندة غيره، دون أن يظهر ذلك في الصورة.

الفكرة هنا ليست الدعوة إلى تصيّد الناس، بل إلى مصارحة الذات: كم من قرار في الكويت كان انعكاساً لضغوط خارجية؟ وكم من مشروع أو موقف تم تعطيله، أو تمريره لأنه وافق مصلحة طرف خارجي؟

في ظل عالم تتقاطع فيه المصالح، ويُصاغ فيه القرار من خلف الستار، لا يمكن بناء سيادة حقيقية، دون أن نعرف نقاط ضعفنا. والاختبار الأخلاقي ليس ترفاً، بل أداة بقاء.

"آبسكام" بنسختها الكويتية، إن صحّ التعبير، ليست سيناريو افتراضيا، بل ضرورة تأمّلية لفهم تركيبة المشهد، وسؤال مستحق لمن يتحدث عن الولاء: هل ولاؤك مقاوم للعروض والإغراءات الخارجية؟

حين نُدرك من يمكن أن يسقط، نعرف من يجب أن يُسند. وحين نختبر الجدران، نعرف أيّها يمكن أن يُعوَّل عليه، وأيّها أول من يتصدّع.

وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن يكون الدرع الذي نحتمي به من ورقٍ مقوّى، لا من معدنٍ مصقول، وأن نظن أننا في مأمن لأن المظهر الخارجي يوحي بالثبات، بينما الداخل هشّ، قابل للانهيار عند أول اختبار. فليست السيادة ما يُقال في الخطب، بل ما يصمد في وجه الإغراء، وما يُرفض في الخفاء، وما لا يُباع حين لا يرانا أحد.

Abdulaziz_anjri@

آخر الأخبار