الأحد 14 ديسمبر 2025
19°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
المُنتَشِرون اللبنانيّون إذا اقترعوا
play icon
كل الآراء

المُنتَشِرون اللبنانيّون إذا اقترعوا

Time
الثلاثاء 17 يونيو 2025
د.جورج شبلي

حكاية الهجرة مع اللبنانيين، متجذّرة في لاوعيهم منذ أَمَدٍ قديم، لذلك، هي ليست ظاهرة حديثة سبَّبتها الأحداث الأخيرة، أي حرب الإسناد التي أشعلها "حزب الله"، وزجّ البلاد في جحيم أتى على أخضرها واليابس.

فهنالك أسباب متنوّعة، ومعقّدة، دفعت المقيمين إلى ترك الوطن لاستيطان بلدان أخرى، قريبة وبعيدة، إمّا طلباً للعمل والرّزق، وإمّا هرباً من أوضاع سياسية وأمنيّة مضطربة، وإمّا مقايضة الظّلم بالحرية.

هذه العوامل حوّلت الهجرة من مشكلة بحاجة لحلّ، إلى قضية مركزية حاضرة في عمق الوجدان الوطني، وقد شكّلت جزءاً أساسياً من ثقافة الانتماء.

إنّ موجات اغتراب اللبنانيّين، التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، ولمّا تزل حتى اليوم، قد ابتلعت كماً هائلاً من الأيدي العاملة والأدمغة، بلغ، وفق المسح الإحصائي الأخير، ما يتجاوز العشرة ملايين.

إنّ هذه الطّفرة في حركة الهجرة الى أقطار الدنيا، كلّفت البلاد تراجعاً في توازناته الديموغرافية، ونزفاً انحدارياً في إمكاناته الاقتصادية، وتفريغاً قسرياً للقرى والأرياف، وشلاً للقطاعات الإنتاجية، وفي مقدّمها الزراعة.

لكنّها، في المقابل، قدّمت للبلدان المضيفة الرأسمال الكبير الحجم في مجالات الحياة كافةً، إذ برع اللبنانيون في تولّي مناصب رفيعة، ما أتاح حمل القضية اللبنانية الى المحافل الدولية، وتشكيل صمّام أمان للأهل في لبنان، وإعادة التوازن الى الوضع الاقتصادي، من خلال التحويلات المالية، وحجم الاستثمارات والمساعدات، خصوصاً تلك التي تدفّقت من الأشقّاء في دُول الخليج العربي، لمواجهة الأزمات المعيشيّة المتلاحقة والتي أرهقت الشّعب النّازف.

لسنا نبالغ في قولنا إنّ الدوائر الرسمية اللبنانية، وخلال العقود المنصرمة، قد أهملت الواقع الاغترابي، ولم تُعِره الاهتمام المُلزِم، وعن قصد، ما انعكس انفصالاً شبه نهائيّ للمهاجرين الذين ذابوا في المجتمعات التي احتضنتهم.

من أهمّ المشكلات التي واجهها المغتربون، وعسى ألّا يستكملها المسؤولون الحاليّون، هي مشكلة القيود التي أفقدت المغتربين جنسيّتهم وعلاقتهم بأصلهم.

فالسلطات المتعاقبة، لم تبرع إلّا في وضع العراقيل أمام حصول المهاجرين على الجنسية اللبنانية، والهدف الشّنيع من ذلك، هو وضعهم خارج المعادلة الداخلية، ليتسنّى للقوى المشبوهة وضع اليد على الدولة، من خلال انتخابات يريدونها محسومة سَلَفًا.

فالدولة السّالفة مارست أقبح عملية إقصاء، بحذف المغتربين من جغرافيا الوطن، بهدف حذفهم من زمنه وتاريخه. إنّ شطب المنتشرين والذي مارسته السلطة، جعل مشاركة هؤلاء في الانتخابات النيابية حيثيّةً غير قابلة للحياة.

واستناداً، لا يمكن اعتبار ما فعلته السّلطة خطيئة، بل جريمة وطنيّة موصوفة.

إنّ ضرب الانتشار يعني، تماماً، أن تَغصبَه حقّه في ممارسة دوره الديمقراطي، وحتى لا تتكرّر الجريمة، واقتناعاً بأنّ المنتشرين يشكّلون العصب الأساسي، الذي لمّا يزل يضخّ القدرة في جسم الوطن المترهِّل، ليبقى واقفاً، نرانا نتقدّم بطلبٍ مُلِحٍ وستراتيجي، هو إطلاق خطّة المواجهة التي تشترك فيها طاقات الانتشار، لا سيّما اللّوبي اللبناني في دُول القرار، مع القوى الوطنية في الدّاخل، وقوام هذه الخطّة نضال غير قابل للتّراجع، وتحت يافطة واحدة ترفع ما يلي:

"إنّ ممارسة المغتربين لواجبهم الانتخابي، ترشيحاً واقتراعاً، كلٌّ في الدّائرة التي ينتمي إليها وفق قيدِه الشّخصي، هو حقٌّ مكتسَب، وليس منّة من أحد. وبالتالي، فهذا الحقّ ليس حقاً سياسياً بقَدر ما هو حقّ كيانيّ وإيديولوجي، يجب انتزاعه بالقوّة، إذا دعت الحاجة".

إنّ مشاركة المنتشرين في الانتخابات، من شأنها أن تبدِّل في النتائج وفي التوازنات، وفي مَنْ يحكم لبنان، بعد أن تولَّت جريمة التّجنيس، والتي تمّت على دفعات، تشويه الواقع السياسي، ووضع القرار في جَيب المُلحَقين المعروفين، وجماعة الفساد في الدّاخل. لن يقبل الشّعب اللبناني، بعد اليوم، وعوداً زهريّة وهميّة في ما يتعلّق بالواقع الاغترابي، ولا اهتماماً صُوَرياً بقضية الهجرة، ولا إهمالاً مقصوداً لشَطب حقّ المنتشرين بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، فليس ذلك سوى تراجيديا وطنيّة استنسختها الحكومات الماضية، وأشنع عمليّة عرقلة مغرضة، ترقى الى مصاف المؤامرة.

إنّ الشّعب اللبناني، وتعميقاً لرابط المغتربين الحيوي بالوطن، يطالب المسؤولين في الدولة، وفي مقدّمهم وزير الخارجيّة النّشيط والنّبيل، تحقيق هذا الواجبٍ المفروض، لإنهاء صلاحية تخريب العلاقة بين الانتشار والوطن، مهما استلزم ذلك من جهودٍ ونضال، وقلب موازين المؤامرة، واستعادة ما ضُيِّع من حقّ المنتشرين اللبنانيين في أصقاع الدّنيا، فهذا من الثّوابت الوطنيّة الأكيدة.

كاتب وأستاذ جامعي لبناني

آخر الأخبار