الجمعة 20 يونيو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
هل نشهد تحرير فلسطين قريباً؟ (1)
play icon
كل الآراء

هل نشهد تحرير فلسطين قريباً؟ (1)

Time
الأربعاء 18 يونيو 2025
View
120
محمد الفوزان
قصص إسلامية

قرَّر صلاح الدين تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى، وذلك بعد معركة حطين الحاسمة في 23 ربيع الآخر 583 هجرية(1187 ميلادية) وسحق فيها جيش مملكة بيت المقدس الصليبية، وتمكن خلال ثلاثة أشهر، أن يسترد أكثر من ثمانين مدينة وقرية وحصن، وما يتبعها من مساحات تزيد بكثير عن مساحة فلسطين المغتصبة، التي يحتلها الصهاينة حاليا.

وقد سيطر صلاح الدين على كل مدن الساحل الفلسطيني، ليحول دون وصول أي مساعدة للصليبيين.

وكانت بيت المقدس الصليبية في حالة سيئة جداً، لأن جيشها دُمِّرَ بكامله في معركة حطين، ولم يبق فيها من الصليبيين إلا القليل من الجنود، وعدد كثير جداً من النساء والأطفال والشيوخ، والرهبان. وكان أمير صيدا الصليبي باليان دي أبلين قد سلَّم المدنية لصلاح الدين عندما حاصرها، واستأذن في أن يسمح له بالذهاب الى بيت المقدس، ليأخذ زوجته وأطفاله، ثم يغادر إلى أوروبا.

فسمح له الايوبي، بعد أن أقسم له على الأنجيل، الا يمكث في القدس إلا ليلة واحدة ثم يغادرها، ولما وصل باليان دي إبلين إلى المدينة اجتمع حوله النساء والأطفال والشيوخ، واخذوا يبكون ويتوسلون إليه أن يتولى أمرهم، ويدافع عن بيت المقدس أمام هجوم صلاح الدين، فحنث باليان بقسمه لصلاح الدين وتولىَّ أمر بيت المقدس وجند الشيوخ، حتى من الذين تجاوزوا سن الستين من العمر، والفتيان الصغار من سن الرابعة عشرة وما فوقها.

ثم أرسل الصليبيون في بيت المقدس وفداً من وجهائهم إلى صلاح الدين، وهو يحاصر عسقلان يطلبون منه الصلح، فعرض عليهم أن تستسلم بيت المقدس بالشروط نفسها التي استسلمت بها المدن الصليبية الأخرى، وأن يؤمنهم على أرواحهم ونسائهم وأولادهم، وأموالهم، ويسمح لمن يشاء منهم بالخروج سالماً.

لكن الصليبيين رفضوا العرض ورأوا "أن الموت أيسر عليهم من ان يملك المسلمون البيت المقدس"، كما قال ابن واصل. فأصرَّ صلاح الدين على أن تستسلم القدس دون قيد أو شرط، وأقسم أن يأخذها بحد السيف، كما أخذها الصليبيون قبل إحدى وتسعين سنة.

ولما سمع المسلمون بعزم صلاح الدين على استرداد بيت المقدس، توافد إليه الكثير من العلماء والمتطوعين، وطلاب العلم من دمشق وحلب ومصر والعراق، ومنهم العماد الكاتب الأصفهاني، الذي كان مريضاً في دمشق، فلما علم بعزم صلاح الدين شُفِيَ من مرضه، وارتحل نحو بيت المقدس للمشاركة في ذلك الشرف العظيم.

وسار صلاح الدين بجيشه، ودار حول بيت المقدس خمسة أيام ليهاجمها من أضعف نقطة في أسوارها، ثم عسكر في الجهة الغربية منها، ووجد أن في تلك الجهة أودية يصعب المهاجمة منها، ثم دار بجيشه واستقر في الجهة الشمالية من المدينة من ناحية باب العمود، وهي أقرب إلى الأسوار، فضلاً عن الابتعاد عن تأثير الشمس في الجهتين الغربية والشرقية. ثم امر بإحضار المنجنيقات، وآلات الحصار والنقابين المتخصصين في نقب الأسوار، وبدأ الحصار والضغط على أسوار بيت المقدس، وخلال أسبوع تمكن النقابون من نقب ثلاثة وأربعين نقباً في أسوار بيت المقدس، وجمعوا الحطب وأدخلوه في تلك النقوب لإشعال النار فيه، كي تهدم الأسوار.

وارسل دي إبلين وفداً إلى صلاح الدين يعرض عليه استسلام بشروط، لكن الايوبي رفض فعاد الوفد خائباً، فخرج باليان دي إبلين بنفسه، وطلب الأمان، ولما مثل بين يديه، عرض ان تستسلم بيت المقدس مقابل حقن دماء أهلها من الصليبيين والخروج بأموالهم، كما فعل صلاح الدين مع المدن الأخرى. فرفض القائد المسلم، وأصرّ على انه سيفتحها عنوة كما استولى عليها الصليبيون من قبل، عندئذ خاطب باليان دي بلين صلاح الدين بطريقة فيها استرحام واستعطاف، فقال له: "اعلم أيها الملك إنَّا خلق كثير في هذه المدينة، وإذا رأينا الموت لا بد منه فو الله لنقتل أبنائنا ونسائنا، ونحرق ما نملكه من أموالنا وأمتعتنا، ولا نترككم تنعمون منا بدينار ولا درهم، ولا تأسرون رجلاً ولا امراة.

فإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى، وغيرها من المواضع الشريفة، ثم نقتل من عندنا من أسرى المسلمين وهم خمسة آلاف أسير، ولا نترك لنا دابة ولا حيوانا إلا قتلناه، ثم خرجنا إليكم، وقاتلنا قتال من يريد أن يحمي دمه ونفسه، وحينئذ لا يُقتل الرجل حتى يقتل أمثالهه"(النص من أبي شامة في كتابه "الروضتين").

‏واستشار صلاح الدين أصحابه وقادته فأشاروا عليه أن تستسلم بيت المقدس، مثلما أقسم، وكأنها وقعت عنوة (لأن أحكام البلدان التي يفتحها المسلمون عنوة تختلف التي يدخلونها صلحاً)، فيصبح الصليبيون وكأنهم رقيق، فيشترون أنفسهم من المسلمين، بأن يدفع الرجل عن نفسه عشرة دنانير مقابل حريته، وتدفع المرأة عن نفسها خمسة دنانير، والطفل يُدْفَع عنه دينار واحد. ومن مرّ عليه أربعون يوماً، ولم يستطع الدفع يصبح عبداً يُباع في أسواق الرقيق.

فوافق صلاح الدين على هذا الاقتراح، ووافق عليه أيضاً باليان دي إبلين، وتعهد أن يدفع مبلغ ثلاثين الف دينار عن سبعة آلاف من فقراء، ومعدمي الصليبيين.

... وللحديث بقية.

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار