السبت 21 يونيو 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
لطف الله المتخفي في وجعك
play icon
كل الآراء

لطف الله المتخفي في وجعك

Time
الخميس 19 يونيو 2025
View
20
جبر التميمي

في زحمة الحياة، حين يثقل الهمّ الكتفين، وتضيق النفس بالقلق والتعب، يبحث الإنسان – بعفويته – عن تفسير، ومعنى يرمم ما تشقق داخله. وقد يهمس أحدهم: لماذا هذا الغم، لماذا هذا الحزن يلازمني كظلي؟

وفي لحظة صدق مع النفس، وبينما تتلى الآيات، تأتي لفتة قرآنية عجيبة تغير زاوية الرؤية تمامًا "فأثابكم غماً بغمٍّ"،

تأملها، الله لم يقل "فأصابكم"، بل قال: "فأثابكم"، وكأن الغمّ، الذي حسبته عذاباً، قد يكون في ميزان الله، ثواباً.

كيف يمكن أن يكون الحزن مثوبة؟

حين يمنعك الغم من ذنبٍ كدت تقترفه فهو ثواب.

وحين يحني رأسك لله بعد طول استكبار، فهو ثواب.

وحين يزهر في قلبك صبرٌ، ما كنت تعلم أنك تملكه، فهو ثواب.

الحزن ينضج، يهذّب، يصقل، لا ليؤذي، بل ليعيد ترتيب ما تفكك في داخلك.

وفي بعض الأحايين، يكون الغمّ وقايةً من نار، ومفتاحاً إلى جنة.

يوماً ما، ستكتشف أن الحزن الذي أبكاك في خلوتك، كان لطفاً خفياً يحوطك، وأن الخذلان الذي أوجعك، كان باب نجاةٍ ما كنت لتراه وأنت في عافية وهمية.

وتأتي القصة الخالدة، يوسف (عليه السلام)، تخلى عنه أحبّته، رمي في البئر، بِيع بثمنٍ بخس، وسجن ظلماً، لكن من الذي تولّى أمره؟

إنه الله.

فأحوج القافلة للماء، لتخرجه من قاع البئر، وأحوج العزيز لولد، ليتبنّاه صغيراً، وأحوج الملك إلى من يفسّر رؤياه، ليخرجه من السجن مكرّماً، ثم أحوج الله مصر كلها إلى حكمة رجل، فجعل يوسف هو ذلك الرجل.

هذه ليست مصادفات، بل عناية، وهذا ليس تسلسلاً عابراً، بل تدبير إلهي دقيق، فإذا أغلقت الأبواب، وتكاثف الغمّ، فلا تظن أنك تعاقب، ربما أنت تهذّب.

وربما ما أنت فيه هو الطريق الوحيد لما تتمناه من علوٍّ وسكينة.

فمن تولاه الله، لا يتيه، وإن مشى في صحراء.

قل في قلبك قبل لسانك: وأفوض أمري إلى الله، واطمئن، فربّك لا يضيع من فوّضه، ولا ينسى من ناداه خفياً في جوف حزنه.

وإذا منحك الله غماً، فثق أنه يمنحك شيئًا أعظم خلفه لكن بموعدٍ لا تعرفه، وحكمةٍ لا تدرك إلا بعد حين.

كاتب كويتي

[email protected]

آخر الأخبار