في هذا الشرق المشتعل، حيث تتشابك الجغرافيا بالنار والتاريخ بالدم، تبدو المسؤولية أحياناً عبئاً ثقيلاً على كاهل الدول.
لكن حين تمسك بها يد عاقلة، فإنها تتحول من عبء إلى شرف، ومن واجب إلى رسالة، والمملكة العربية السعودية، في مواجهتها لتبعات التصعيد بين إيران وإسرائيل، قدّمت درساً عميقاً في كيفية تَحمُّل الدولة مسؤولياتها تجاه الإنسان، قبل كل شيء.
لم تكن المملكة معنية بالحرب الدائرة بين طرفين اختارا لغة النار، لكنها كانت معنية بأبنائها، مواطنيها، بمن اختاروا، أو اضطرتهم الظروف للوجود في هذه الجغرافيا الملتهبة، ومن هنا، انطلقت السعودية في تفعيل أدواتها الوقائية والديبلوماسية، لا من باب رد الفعل، بل من منطلق مبدئي متجذر في عقيدتها السياسية: الإنسان أولاً.
في زمن صارت فيه الجيوش أسرع من الديبلوماسية، اختارت السعودية أن تُخاطب النار بالحكمة، وأن ترد على الطيش السياسي بالثبات، واتصل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الإيراني، لا ليؤيد طرفاً ضد آخر، بل ليؤكد أن الاعتداءات الإسرائيلية على إيران لم تترك مجالاً للحوار، وأنها عرقلت كل مسار نحو التهدئة.
لقد كانت كلمات ولي العهد ليست مجرد موقف ديبلوماسي، بل تعبير عن رؤية أخلاقية لمسؤولية الدولة في وجه العبث.
لكن المشهد لم يقف عند حدود السياسة، فالسعودية لم تُشِح بوجهها عن الحجاج الإيرانيين الذين كانوا، في الوقت ذاته، يؤدون فريضة الحج على أرضها، ولم تستدعِ التوتر لتُفرّق بين ضيف وضيف، بل فتحت قلبها قبل أبوابها، وقدّمت كل التسهيلات، بكل أريحية وروح إنسانية، وكأنها تقول للجميع: إن مكة لا تعرف الضغائن، وإن الحج لا تحكمه السياسات، بل القلوب.
الرئيس الإيراني لم يُخفِ امتنانه، ليس فقط للموقف السعودي من الاعتداء، بل أيضاً للرعاية التي حظي بها حجاج بلاده. وهذا الامتنان لم يكن بروتوكولياً، بل بدا وكأنه اعتراف ضمني بأن المملكة، رغم الخلافات، تملك من النُبل ما يجعلها تتجاوز اللحظة السياسية، وترتقي فوقها.
ما رأيناه لم يكن مجرّد تصرف دولة مسؤولة، بل روح دولة ناضجة، تُدرك أن حماية مواطنيها في الخارج لا تكون فقط عبر الطائرات التي تجليهم، بل عبر المواقف التي تحميهم قبل أن يتهددهم الخطر.
دولة تقول للعالم: لسنا طرفاً في النزاع، لكننا طرف في صناعة السلام.
في النهاية، ربما لن تكتب وكالات الأنباء كثيراً عن تلك الجهود الصامتة، التي لا تجري خلف عدسات الكاميرات، لكن التاريخ، الذي لا يُنسى، سيتوقف طويلاً أمام هذه اللحظات التي انتصر فيها صوت العقل، وكان للإنسان وطن يحميه، اسمه المملكة العربية السعودية.
كاتبة سعودية