السبت 21 يونيو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
حماية القرار التنفيذي... دفاع عن هيبة الدولة
play icon
كل الآراء

حماية القرار التنفيذي... دفاع عن هيبة الدولة

Time
الخميس 19 يونيو 2025
View
70
عبدالعزيز محمد العنجري

من بين أخطر أشكال العرقلة التي تُقوّض فاعلية الحكومات، تلك التي لا تأتي من الخارج، بل من بطءٍ متعمّد، وتأخير غير مبرر في تنفيذ القرارات، داخل المكاتب الحكومية نفسها.

ومع تراكم الإجراءات، وكثرة الجهات المتداخلة، لطالما استغل بعض أصحاب النفوذ الفوضى الإدارية لتجميد قرارات إصلاحية دون أن يُكتشف أمرهم سريعًا.

فالجميع يفترض بحسن نية أن القرار "في الطريق"... بينما هو في الحقيقة محاصر بهدوء.

ولعل المشكلة في حقيقتها لا تكمن في ضعف التتبع الإداري فقط، بل في أن بعض أصحاب النفوذ لم يغادروا الدولة فعلياً… بل تحوّلوا إلى "أدوات" داخلها.

أدوات لا تزال تدين بالولاء لمراكز قوى خرجت من الصورة رسمياً، لكنها حاضرة بفاعلية عبر شبكات بشرية تتقن العرقلة، وتعرف متى… وكيف تُبطئ القرار.

فالنظام الإداري القائم على الأقدمية في الترقية، مكّن عبر عقودٍ بعض المسؤولين من الوصول إلى مواقعهم، بفضل تدخلات لا صلة لها بالكفاءة.

واليوم، رغم تغيّر القيادات وتبدّل الظروف، لا يزال ولاء كثير منهم لمن منحهم المنصب في السابق، لا لمن يقودهم حاليا. ولهذا، لا يكتفي بعضهم بمقاومة الإصلاح، بل يعمل بصمت على تقويضه، لإثبات أن من سبق كان أصلح، وأن من جاء بعده لا يستحق الثقة.

وفي دول تطبّق الحوكمة الرشيدة، لا يُترك القرار للتقديرات الظنية، بل يُتابَع بمؤشرات آنية تكشف مواطن الضعف قبل أن تتراكم.

وهنا تبرز الحاجة إلى كشف أدوات العرقلة، لا الاكتفاء بتتبّع أثرها. فالحكومة تمضي اليوم نحو بناء منظومة تحوّل رقمي ولوحات تتبّع (Dashboards) ترصد مسار القرارات خطوة بخطوة، وهذا تطوّر إيجابي في ظاهره، لكنه لا يكفي.

فالعرقلة نفسها تطوّرت، وباتت تتخفّى خلف شعارات "التطوير" و"الرقمنة".

هناك من يسعى إلى إفراغ التحوّل الرقمي من مضمونه، عبر استنزافه بسلسلة لا تنتهي من الدراسات، والاستشارات، لأن التطبيق الفعلي الصارم سيجعل أي تدخل غير شرعي مرصوداً ومحسوباً. من هنا، تأتي أهمية "وحدة تتبع مبكر"، كوحدة إنذار تُضيء المؤشرات عند أول تأخير.

وحدة لا تحتاج هيكلاً ضخماً، بل موظفاً كفؤاً، ومندوباً مرتبطاً مباشرة بجهة محايدة خارج منظومة مجلس الوزراء، تتابع حركة القرار وتوقيته وانتقاله بين المكاتب، وتُحدّد من أعاقه. فلا يمكن لدولة أن تصوغ قرارات كبرى، ثم تجهل من يُعطّلها عند التنفيذ.

وبهذا المعنى، تُصبح وحدة التتبّع المقترحة جزءاً من معركة أعمق: معركة لا تهدف فقط إلى حماية القرار، بل إلى فضح من يُعرقله، وإبراز من يُنجزه… وكشف من يحتفظ بموقعه في الدولة، بينما يرتبط ولاؤه بشبكة قديمة غادرت المناصب، وصنعت موقعه، وبقيت في الظل تُحرّكه بصمت.

فحين تُكتشف العرقلة، يكون الطريق واضحاً: المهمل يُعفى، والمتواطئ يُحاسب، والمخترق يُحاكم.

حماية القرار ليست ترفاً، بل دفاع عن هيبة الدولة. ومنع العرقلة ليس انتصاراً لوزير، بل تعزيز لثقة الناس بحكومتهم، وتأكيد أن الإصلاح ليس شعاراً، بل معركة نعرف فيها العدو… ولو تخفّى داخل مكاتبنا.

Abdulaziz_anjri@

آخر الأخبار