يعيش الشرق الأوسط اليوم على حافة بركان مشتعل، مع تصاعد التوتر غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، في ما يمكن تسميته "معركة الوجود الكبرى".
صراع يتجاوز الحسابات السياسية التقليدية، ويتصل مباشرة بأسئلة المصير والهوية والبقاء، إذ تعتبر كل من طهران وتل أبيب أن الطرف الآخر تهديد وجودي، لا يمكن التعايش معه.
إسرائيل، منذ قيامها، بنت ستراتيجيتها الأمنية على مبدأ "الضربة الوقائية"، و"تفوق الردع"، لكنها اليوم تواجه واقعاً إقليمياً أكثر تعقيداً، مع شبكة من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تحيط بها من لبنان وسورية، وغزة والعراق واليمن.
وفي المقابل، ترى إيران أن إسرائيل ليست فقط تهديداً عسكرياً، بل رأس الحربة في مشروع إقليمي وغربي لاحتوائها، وضرب مشروعها الثوري والاستقلالي.
الملفت في هذه المرحلة، أن الصراع خرج من الظلال، وتحول مواجهة شبه مباشرة. القصف المتبادل، استهداف المنشآت النووية، والضربات الجوية في العمق، لم تعد مجرد رسائل ردع، بل خطوات فعلية على طريق حرب مفتوحة. وهنا يكمن الخطر الأكبر: هذه ليست مجرد مواجهة بين دولتين، بل اختبار مصيري لإعادة تشكيل الشرق الأوسط برمته.
الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لإسرائيل، تقف في مفترق طرق، فهي، وإن كانت تؤيد تل أبيب، إلا أنها تدرك جيداً أن انزلاق الأمور إلى حرب كبرى سيضر بمصالحها الستراتيجية في المنطقة، خصوصا في ظل تصاعد نفوذ الصين وروسيا.
أما أوروبا، فهي في الغالب متفرجة قلقة، لا تمتلك أدوات التأثير الفعّال على الأرض.
في الطرف الآخر، تسعى إيران إلى توظيف التحولات الدولية، وارتباك النظام العالمي، لتثبيت نفوذها الإقليمي، مدعومة بما تعتبره "محور المقاومة"، الذي يمتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد، وصنعاء.
هذا المحور لا يتحرك فقط بالسلاح، بل يمتلك رواية أيديولوجية تحشّد الجمهور، وتمنح المعركة بعداً عقائدياً، يجعل التنازل، أو التراجع شبه مستحيل.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل هناك مخرج من هذه المواجهة الشاملة، وهل يمكن للمنطقة أن تنجو من نار معركة وجودية لا رابح فيها؟
الواقع أن كل الأطراف تعرف جيداً أن تكلفة الحرب ستكون باهظة، ليس فقط بشرياً، بل اقتصادياً وجغرافياً. فاندلاع نزاع واسع يعني انهيار الأسواق، تفكك الدول الهشة، واندفاع ملايين اللاجئين، فضلاً عن استدعاء قوى دولية ستجعل من الشرق الأوسط ساحة تصفية حسابات عالمية.
ومع ذلك، فإن منطق التصعيد لا يزال هو السائد. فكل طرف يسعى إلى تثبيت قواعد اشتباك جديدة، وفرض توازن ردع من موقع القوة.
وفي ظل هذا السباق نحو حافة الهاوية، فإن أي خطأ في التقدير، أو عملية ميدانية خارجة عن السيطرة، قد يشعل النار التي لن تتوقف عند حدود إيران أو إسرائيل.
يبقى الأمل في دور القوى الإقليمية العاقلة، والديبلوماسية الوقائية، وعودة صوت الحكمة إلى الصدارة، قبل أن يتحول الصراع حرباً كبرى، تُعيد رسم المنطقة على أنقاضها.
في معركة الوجود الكبرى، لا يوجد منتصر حقيقي، بل خاسرون متعددون… وشرق أوسط يقف اليوم أمام مفترق مصيري: إما الحكمة… أو الخراب.
كاتب عراقي