رحلة في أرض المجد: الخبر، الرياض، مكة... والمملكة تصوغ الحلم
***
الرياض... مدينة تتنفس المستقبل وتكتنز الحكمة
***
في الرياض، لا تمشي على الأرض، بل تمشي في حلم يتحقّق.
***
مدينةٌ لا تزال تخطّ سطورها على صفحات الضوء، بين صرير المشاريع العملاقة، ونبض الرؤية التي صاغها وليّ العهد، حتى بدت وكأنها تعيد تعريف الزمان والمكان معاً.
زارها القلب قبل أن تزورها الأقدام، بدعوةٍ كريمة لحضور المعرض الدولي للقطاع غير الربحي (إينا 25)، الذي احتضنته مدينة محمد بن سلمان غير الربحية.
تلك المدينة التي تستحق هذا اللقب بكل تجليات المعنى، فهي مدينة مختلفة فعلاً في فكرتها وروحها؛ لا تُشبه المدن التقليدية، ولا تقف عند الأطر المعتادة، بل تنفتح على آفاق واسعة لخدمة الإنسان، وتنمية المجتمع.
مع رفيق الدرب الدكتور عبدالعزيز سعود السبيعي، والشاب المبادر سعود بن راشد الفهيد، وسعادة الأستاذ عيسى الربيعة، والدكتور عدنان المضاحكة، شهدنا حدثاً استثنائياً، كان أشبه بلوحة إنسانية كبرى، اجتمع فيها صنّاع الخير من شتى أرجاء المملكة والخليج.
معرض وملتقى امتزجت فيه المؤسسات والجمعيات والمنظمات، فانبثقت من أجنحته أنوار من الفكرة، وقطرات من العطاء، ومشاريع تبني المستقبل بمنطق القلب والعقل معاً.
أقيمت فعاليات المعرض بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية في حي "عِرقة"، الذي نظمته شركة ثلاث الرائدة في هذا المجال، وكان معرضاً وملتقى رائعاً جمع المؤسسات والجمعيات والمنظمات والقيادات في القطاع غير الربحي، مما جعله منارة لمعرفة القطاع الثالث، والدور الكبير والعظيم لهذه المنظومات الإنسانية التطوعية، وقياداتها وأفرادها في خدمة مجتمعاتهم، ومساهمتها في التنمية المستدامة، وبث ونشر الخير حول العالم أجمع.
لقد كان معرضاً، وملتقى رائعاً تشكر عليه "شركة ثلاث" المتخصصة في تنظيم هذه المعارض والمؤتمرات،
وإن كان لنا بعض الملاحظات التي لاتنقص من روح وقيمة ونجاح هذا الملتقى، ولم تنل من بهاء المشهد، ولا من أصالة الرسالة، بل زادته واقعيةً وصدقاً، والإتقان البشري يقاس بعظم المحاولة، ولا شك ان العمل كبير جداً وعظيم، والأخطاء الصغيرة تقع، ولاتنقص من قدره ولا نجاحه، فالكمال للّه وحده، وقد وعد المنظمون بتداركها في اللقاءات المقبلة.
كان العاملون على هذا المعرض كخلية النحل التي لا تتوقف فتجدهم في كل مكان يقدمون خدماتهم، ويشرحون للضيوف ويوجهونهم في عمل دقيق، وجهد كبير، فلهم كل الشكر من أعلى الهرم إلى أصغر موظف.
ومن بهاء التنظيم إلى بهاء الوجوه، وجوهٌ من ذهب، التقيتُ فيها نخبة من كبار المشاركين، والضيوف، والشخصيات ذات الاثر الكبير في القطاع غير الربحي.
وكان من أبهى اللقاءات ما جمعني بمعالي الدكتور حاتم المرزوقي، رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمكة المكرمة "كهاتين"، ورئيس مجلس إدارة جمعية هداية الحاج والمعتمر، والذي أدار بكل فخامة وجمال الحلقة النقاشية التي حملت عنوان: "الاستثمار الاجتماعي والاقتصادي: التحديات والفرص".
وفيها برز صوت المملكة واضحاً، حكيماً، واعياً بدور القطاع الثالث في التنمية.
وقد شارك فيها وأبدع الدكتور منصور الرميان، وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط للسياسات السكانية، وتنمية رأس المال البشري، والذي تناول المحور الأول في الحلقة النقاشية، وحمل عنوان "الاستثمار الاجتماعي كأداة للتنمية الاقتصادية في المملكة"، وجاءت صاحبة السمو الأميرة نورة بنت تركي بن عبدالله آل سعود، عضو مجلس إدارة جمعية البيضاء للتنمية، لتكمل الصورة، بحديثها في المحور الثاني عن ستراتيجيات تحفيز الاستثمار الاجتماعي في المناطق الأقل نمواً.
أما لجين العبيد، الرئيس التنفيذي لشركة "تسامي" لريادة الأعمال الاجتماعية، فكانت صوتاً شبابياً يعرف كيف يُقنّن الحلم، وكيف يصوغ الطموح بلغة الأرقام والتجارب، عندما ناقشت في المحور الثالث "التمويل الاجتماعي: أدواته والمشهد في المملكة العربية السعودية".
ولن أنسى أبداً المعرض البانورامي لجمعية "كهاتين"، الذي جسّد حياة اليتيم بصورة تفيض بالمشاعر، وكأنك تقرأ القرآن ممزوجاً بدموع الملائكة، وكذلك جناح جمعية هدية الحاج والمعتمر، الذي تميّز بالإبداع والتقنيات الحديثة، حتى خُيِّل إلينا أن مكة جاءت إلى الرياض بكل بهائها!
وفي المعرض أيضاً زرت جناح مركز الملك عبدالعزيز للحوار الحضاري، الذي يقوده معالي الدكتور عبدالله الفوزان، نائب الرئيس، الأمين العام للمركز، وكان لي شرف الاطلاع على دوره في تصحيح الصورة النمطية عن المملكة، والتي رسخها الاعلام الغربي، منذ عقود طويلة، في صورة رجل يجرّ جملاً عبر الصحراء!
ذلك العمل الجليل الذي يواجه حرباً طويلة من الصور المشوهة، ويحاول أن يُريَ العالم وجه السعودية الحقيقي: وجه الحضارة والإنسان والرحمة.
***
غداً في الجزء الثالث سنكمل إن شاء الله حديثنا عن الرياض العامرة، وشخصياتها الموقرة من أصحاب السمو والشيوخ والمعالي، و"رؤية 2030" الإبداعية، ومن ثم ننهي حكايتنا، التي استلهمت جمالها من بهاء المملكة، بالحديث عن رحلتنا المكية، وأبهى المدن مكة المكرمة أرض الروح، وعاصمة القلوب، ومشاهداتنا ولقاءاتنا.