الأربعاء 25 يونيو 2025
41°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
نعم للحياد  لا للسلاح
play icon
كل الآراء

نعم للحياد لا للسلاح

Time
الاثنين 23 يونيو 2025
View
10
د.جورج شبلي

لقد طالعنا الكثيرين من المحلّلين في السياسة، واجتهدوا في توصيف مفهوم الحياد، وقد افترق المتعاطون بالشأن العام في مواقفهم المعلَنة في هذا الصّدد، فمنهم مَن تبنّى الحياد حلاً للأزمة التي يعاني منها لبنان، ومنهم مَن اعتبر الحياد يناقض مفهوم الوطنية، والقومية، حتى أنّه اعتبر مؤيِّدي الحياد عملاء وخونة.

لمّا كان الحياد يعني عدم التحيّز، أي النأي عن التكتّلات والنزاعات، والصراعات المسلّحة، ما يجنّب البلاد احتمالات كارثية، ويحميها من دفع كِلفة باهظة من الضحايا، والدّمار، وانهيار الاقتصاد، وتراجُع قيمة النّقد، وزجّ المجتمع في تخلّف وانحطاط، وازدهار مواسم هجرة الشباب. لذلك، نادى أنصار الحياد باعتماده من جانب الدولة، قاعدة ارتكاز لتحقيق السّلم الدّاخلي، وتوازن السّلطة المؤدّي الى تجنّب الانزلاق في حمّى الحروب، والمواجهات الدموية بين المَحاور.

والغاية من الحياد، إذاً، هي إبعاد شبح الحرب بشكل نهائيّ، وذلك، في البقاء خارج دائرة الصّراعات، ما يرتدّ على الوطن ترسيخًا لسيادته، وحماية أمن شعبه.

في الوضع الحالي اللبناني، حيث الفرصة سانحة لتبنّي الحياد رسمياً، وبدعم من المرجعيّات الدولية، ينبغي على السلطة، رئيساً وحكومةً، المضيّ قُدُماً في إعلان البلاد دولة محايدة، لا تعنيها النزاعات المسلّحة، ولا تزجّ بنفسها في صراع المحاور. كذلك، إعلان أنّ لبنان غير منحاز لأيّ طرف، أو جهة، إقليمياً ودولياً، ولا يشارك في أيّ من الأحلاف العسكرية، فهو على مسافة واحدة من الجميع، لكنّه منحاز الى مشروع الأمم المتحدة، والسّاعي الى إيجاد مبادرات مشكورة لتخفيف التوتّر، وتعزيز السّلام في العالَم.

في لبنان، تتبوّأ قضية سحب السّلاح من الفصائل الفلسطينية و"حزب الله"، مرتبة الاهتمام الأولى، وهي مسألة غير قابلة للتّسويف والتّأجيل، ولا للمماطلة، فليس من سبب موجب لذلك، لا سيّما أنّ القرارات الدولية، ومنطوق الدستور اللبناني، واتّفاق وقف إطلاق النّار الأخير، تُجبر الدولة على تنفيذ حصر السّلاح بيد قواها الشرعية، وعلى مساحة البلاد كلّها.

لكنّ المعضلة، عندنا، إن في موضوع الحياد، وإِن في مسألة جَمع السلاح، تكمن في تراخي الدولة، من جهة، وفي مكابرة الدويلة، من جهة أخرى.

فقد اعتبر المستقوون أنّ الحياد بدعة، ويرفضون، بالتالي تسليم سلاحهم، طالما أنّ إسرائيل لا تزال تطعن خاصرة الوطن، وتنتهك أرضه وأجواءه. إنّ استعادة احتكار الدولة اللبنانية للقوة، ما يعني المضيّ نحو وطن آمن، لا يمكن أن تتحقّق إلّا بتجريد الجهات المسلّحة، كلّ الجهات المسلّحة من فصائل، ومخيّمات، وأحزاب، وتنظيمات ميليشياوية، من مقتنياتها العسكريّة، ما يمكّن السلطة من فرض هيبتها، وبناء الاستقرار، والمباشرة بالإصلاح، وتجفيف ما يكسر صيغة العيش المشترك، وإعادة الاعتبار للمؤسّسات الشرعية التي تحكمها القوانين لا البنادق.

إنّ تنفيذ جمع السّلاح من المحميّات غير الشرعية، وتوحيده تحت سلطة الدولة، يحفظان كرامة الوطن والمواطن، فلا دولة، ولا أمان، ولا مستقبل للأجيال، إذا بقي السّلاح المتفلّت جاثماً فوق رؤوس الناس.

أمّا أن يُقال أنّ جمع السّلاح يرتبط بالتوازنات السياسيّة المعقّدة، وينبغي انتظار نتائج الحوار مع الجماعات، والعشائر، وميليشيا الممانعة التي تتذرّع بشعار مقاومة إسرائيل، وبحماية نفسها، فهذا إجهاض لاستكمال بسط سلطة الدولة على مساحة لبنان بكاملها، وإضعاف للعهد، وتقويض لثقة الشّعب به، وكذلك، لثقة المجتمع الدّولي. لسنا في صدد قَبول استمرار منطق الغَلبة والاستقواء، والذي يشرّع الفوضى الأمنيّة في البلاد، وذلك، تحت أيّ ذريعة، لكنّنا لا نحفّز، إطلاقاً، إشعال حرب أهليّة جديدة، لمّا تزل آثار سابقتها ماثلة في الذّاكرة الجَماعية، جرحاً عميقاً مفتوحاً حتى اليوم، ينتقل من جيل الى جيل. من هنا، ينبغي على الأفرقاء جميعاً، دولةً وأحزاباً وطوائفَ ومرجعيّات سياسيّة، أن تُجمع على أمرَين مُلزِمين هما: حياد لبنان، وحصر السّلاح بالدولة.

علينا، جميعاً، أن نحمي السّلام لا السّلاح، وأن نبني جسراً من الفرح، لا خندقاً من الرّعب، وأن نعمّم ثقافة الحياة، لا ثقافة الموت، وأن نعيد بناء الوطن بوحدة المحبّة، ولا نهدمه بتفرقة الانتقام.

لذلك، فإنّ ركيزتَي بناء الدولة التي نريدها دولة القانون والمؤسّسات، دولة العدالة والسيادة، دولة الإدارة النزيهة، دولة كرامة الإنسان، هما نَأي هذه الدولة عن المَحاور بالحياد المُطلق الإيجابي، عبر ميثاقٍ داخليّ وتأييد دولي، وكذلك، حصر السّلاح، أيّ سلاح، وكلّ سلاح، بيَد الجيش اللبنانيّ الذي يحمي، وحده، كيان الوطن، وسلامة الشّعب.

كاتب وأستاذ جامعي لبناني

آخر الأخبار