رحلة في أرض المجد: الخبر، الرياض، مكة، والمملكة تصوغ الحلم
***
نكمل اليوم ما تبقى من الحديث عن الرياض، تلك المدينة التي تتنفس المستقبل وتكتنز الحكمة.
***
في الرياض لا تمشي على الأرض، بل تمشي في حلم يتحقّق.
***
... وبعد يوم من فكر، كان لنا أمسية من ودّ في ضيافة الرجل الذي جمع بين الحكمة والتاريخ، سمو الأمير أحمد بن بندر السديري، الشيخ والأديب ورجل الأعمال، والذي وجه لنا دعوة لزيارته في قصر الضيافة، والذي أسميه "قصر المعرفة والثقافة"، وقد جعله الأمير أحمد وقفا للعلم، فصار بحق منارة للمعرفة والثقافة في العاصمة الرياض.
في هذا القصر أقيمت منذ عقود ثلوثية السديري، وهي ندوات ومحاضرات في مختلف العلوم وفنون المعرفة، تقام مساء كل ثلاثاء من كل اسبوع. تلك الندوات التي باتت بمثابة مكتبة حية تتنفس من عقول الضيوف، وتتغذى من تاريخ الأدب والمعرفة.
***
ثم لبّينا دعوة رجل الأعمال، معالي الشيخ خالد الشثري، أحد رجالات الاقتصاد والحكمة في المملكة، وصاحب البصمة الهادئة التي تركت أثرها في مسيرة التنمية والاستثمار.
دعانا إلى ديوان قصره، فوجدنا أنفسنا في مجلسٍ تلتقي فيه النخوة بالعلم، والوقار بالأدب، وتنعكس فيه شخصيته الرفيعة: هدوء الواثق، وكرم الأصيل، وتواضع من عركته التجارب وصقلته الأيام.
وكان الحضور يليق بالمقام، إذ اجتمع فيه عدد من الأمراء والشيوخ، ورجالات الفكر والاقتصاد، فكان اللقاء مزيجاً من العبق التاريخي والدفء الإنساني، تجلّت فيه روح الرياض بأبهى صورها، مدينةٌ تُكرّم ضيوفها بأفعال رجالها، وتروي تاريخها من خلال مجالسها، وتُثبت في كل مناسبة أنها ليست عاصمة المملكة فقط، بل قلبها النابض بالحكمة والضيافة والأصالة.
وكان لي شرف لقاء صاحب السمو الملكي الأمير الشاب عبدالعزيز بن فيصل بن عبدالمجيد آل سعود، قامة تحمل الأدب والمعرفة والثقافة، والاطلاع العميق على التاريخ وأحداثه المختلفة، حديثه موسوعي، ونظرته نافذة، يجمع بين هيبة الأمراء وهدوء المفكرين.
كما سعدت بلقاء معالي الشيخ فهد الإبراهيم، رجل الهيبة الهادئة، والسكون الممتلئ بالحكمة، في حضوره طمأنينة العارفين، وبهاء النبلاء، والحكمة المتزنة، وقد بدا لي كأنه موسوعة تسير على قدمين، يختزن في ذاكرته آداب المجالس، ومآثر الأعلام، ووقائع التاريخ.
وكذلك شرفت بلقاء صاحب السمو الملكي الأمير الشاب فهد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود، صاحب الحضور البهي، والعقلية الواعية، والنبرة المتزنة التي تجمع بين نبل السلالة وذكاء العصر.
فكان لقاؤهم جميعاً تأكيداً حياً على أن المجالس لا تزدهر إلا برجالها، وأن الكلمة حين تخرج من أفواه الكبار تكون سِراجاً يهتدي به من حضر.
***
واختُتمت الرحلة في الرياض بكرم الأخ والزميل الدكتور محمد بن صالح الثنيان، المستشار السابق في الديوان الملكي، الذي تشرفت بمشاركته في تأليف كتاب "الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني"، وزميلي في الرحلة المغربية في ربوع الدار البيضاء، مع الدكتور هشام خلف الله، والدكتور زكريا فخر الدين.
وسنحكي في قادم الأيام، إن شاء الله، عن الرحلة المغربية والتعليم في المغرب، والمعاهد والجامعات هناك، وافتتاح المبنى الجديد لمعاهد "ايجات" للتكوين المهني، بضيافة الأستاذ الدكتور حسين السريدي، رجل المكارم، وصاحب العقلية الكبيرة والرؤية الطموحة، الذي يجمع بين حُسن الخلق وعمق الفكر، ويُقدّم للعلم والعمل نموذجًا مضيئًا في عالم التعليم والتدريب. لبّينا دعوته الكريمة إلى مأدبة عشاء فاخرة أقامها في منزله العامر في قلب الرياض، فكانت من المحطات الودودة التي تُحفَر في الذاكرة.
المائدة كانت عامرةً بالطَيب، والقلوب عامرةً بالمودة، والحديث متشعب بين التقنية والفكر، ودهشة الحاضر.
وعندما دار النقاش حول ما تشهده الرياض من تحوّل، لم يكن الحديث عن أحلام أو توقّعات، بل عن واقع حيّ، تُسطّره المملكة كل يوم بخطى واثقة، يقودها طموح لا يهدأ، وإرادة لا تعرف التراجع، في طريقها نحو تحقيق "رؤية 2030" بكل عزم وثبات.
***
وسنكمل غداً الحديث عن لقاءاتنا ومشاهداتنا وحديثنا عن مكة المكرمة، الرحلة إلى الله، والدهشة التي لا تُنسى.
مكة حين تطأ ترابها، تشعر أن الأرض تسجد، والسماء تهمس، والقلوب تسير وحدها، كأنّها تعرف الطريق قبل الأقدام.
برفقة زملاء الرحلة المكية فوزي الخواري ومساعد الرندي وعبداللطيف المليفي.