أخيراً تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، بعد 13 يوماً من الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل، بوساطة قطرية، ورعاية أميركية، وبهذا بدأ البحث في حسابات الربح والخسارة بين الأطراف كافة، وأصبحت طاولة المفاوضات جاهزة كي يجتمع الأطراف حولها، لكن ثمة نقاط لا بد من توضيحها.
إن ما تحقق من خلال تلك المواجهة من تعطيل للمشروع النووي الإيراني يحسب للولايات المتحدة الأميركية، جراء العملية الجراحية الفائقة الدقة التي نفذتها، وهذا يدل أن الدولة العظمى، لا تدخل إلا للحسم، وليس من أجل إدارة أزمة ما، وهي بذلك مؤيدة من الاتحاد الأوروبي ودول الإقليم العربية.
ثانياً، إن المس الإيراني بسيادة دولة قطر الشقيقة، كشف عن الوجه الحقيقي لنظام الملالي التخريبي، الذي لا يأبه لحسن الجوار، ولا العلاقات الممتازة بين طهران والدوحة، وبهذا الفعل المجنون، أثبت قادة ذلك النظام تهورهم في المقاربات المفيدة لشعبهم، وسعيهم الإرهابي في المنطقة.
صحيح أنه كان هناك اتفاق مسبق على الرد الإيراني "المنضبط"، وهو ما جرى عندما قتلت الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" الأسبق قاسم سليماني قرب مطار بغداد في العاصمة العراقية، وهو ما قاله يومها الرئيس ترامب من أن إيران أبلغتنا أنها ستقصف قاعدة عين الأسد، لحفظ ماء الوجه أمام شعبها، لكنه قصف رحيم أو أخوي.
ماذا يعني ذلك؟
ليس هناك أي قوة تستطيع تحدي الولايات المتحدة، ولا قِبَل لإيران على مواجهة هذه القوة العاتية، كما إن أمن إسرائيل خط أحمر، أميركيا وأوروبيا، فيما إيران أثبتت ضعفها في المواجهة المباشرة.
وإذا كانت الحروب الماضية جرت عبر الوكلاء، والأذرع الإيرانية مع إسرائيل، وفيها سجلت تل أبيب نقاطاً عدة لمصلحتها، فإن الأمور اختلفت كثيراً اليوم، فلم تعد هناك سيطرة إيرانية على أربع عواصم عربية، وتهديدات بإفناء إسرائيل، فيما "حزب الله" اللبناني، والميليشيات الطائفية العراقية، أو "الحوثي" المخرب يستطيع تهديد أي دولة، لا سيما السعودية، ودول الجوار، باتوا جميعا أضعف من أي وقت مضى.
وعلى هذا الأساس أثبتت التجربة أن طهران تحتاج إلى رؤية واقعية تناسب مركزها، ومساحتها، وشعبها كبير العدد (94 مليون نسمة)، وقدراتها الكبيرة.
قلنا منذ زمن، وكذلك في الأيام الماضية، أن لا أحد يرغب في الإقليم بامتلاك دولة يحكمها نظام على هذا الشكل، قنبلة نووية، ولا أحد في المجتمع الدولي، ولا أي دولة إسلامية عاقلة، يرغب بانتشار الأسلحة الذرية عالمياً، خصوصاً في إقليم الشرق الأوسط الحساس، على المستويات كافة.
اليوم، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها لا بد من قراءة واقعية إيرانية للمآلات التي انتهت إليها المواجهة، لا سيما لجهة تغيير المسار السياسي والاقتصادي، والعودة إلى كلمة سواء مع الجيران، الذين كانوا على قلب رجل واحد حين اعتدت إيران على دولة قطر، فهذا يؤكد وحدة المصير الخليجي، وأنه لا يقبل المساومة، وإن ذلك يعني أن أي محاولة للمس بالأمن الإقليمي سيواجه بعقاب كبير.
لذا، في اليوم التالي لوقف إطلاق النار، يدرك كل عاقل من هو الخاسر الأكبر، والرابح أيضا، ففيما تحتاج إيران إلى الكثير من الوقت والمال والامكانات غير المتوافرة جراء العقوبات التي جلبتها ممارسات نظامها، لإصلاح ما خربته الحرب، فإن إسرائيل لديها الدعم الكامل، أكان من الولايات المتحدة الأميركية، أو أوروبا، مالياً ولوجستياً، وكذلك لديها ميزة أخرى أن 400 ألف فلسطيني يعملون فيها، فهل كانت إيران تريد ذلك، أي، تعزيز قوة إسرائيل؟
أيا كان الموقف بعد هذه الواقعة، لا بد من قراءة حكيمة من الجانب الإيراني للمستقبل، وإدراك أن المكابرة تكون دائماً سيئة العواقب.