قضية "سوق المناخ" كأنها حبل مشدود على أعناق أصحاب "المديونيات الصعبة" المستمرة منذ ما يزيد عن 42 عاماً، وليس لها نهاية، كما قال الزميل أحمد الصراف في مقالته المنشورة أمس في الزميلة "القبس"، إن هناك جوراً مستمراً واقعاً ليس على المديونين، إنما على الورثة أكانوا أبناء أم أحفادا، بسبب ضريبة تصاعدية سنوية تبلغ 15 في المئة.
في الأساس كانت المعالجات في هذا الأمر غير حصيفة، فالقانون 41 لعام 1993 الذي فرضه مجلس الأمة، يومذاك، فيه الكثير من القسوة، وجعل الأمر أبدياً، حتى بعد الوفاة يحاسب الورثة عن الديْن المتراكم، ولأن الحكومة يومها كانت خاضعة لمجلس الأمة، فهي قبلت ذلك القانون، وعملت على تنفيذه.
في هذا القانون كانت هناك الكثير من الإجراءات المانعة لحرية حركة المديون، من منع سفر ومصادرة أصولها، ووضعه تحت رحمة موظف حكومي، يدير أملاكه، من دون دراية بالأصول التجارية.
ليست الكويت وحدها التي سقطت بهذا الفخ، فهناك بريطانيا، أيام حكم مارغريت تاتشر، عندما تعرضت لأزمة ما عرفت بالأوراق المالية، وقد حلتها رئيسة الوزراء سريعاً، من دون أي تكاليف على المديونين، بل جعلتها فرصة لانطلاق اقتصاد المملكة المتحدة.
أما في البحرين، فقد حدثت أزمة ما يعرف بـ"الشيكات المؤجلة"، وهددت، يومها، الحركة الاقتصادية، فما كان من رئيس الوزراء الراحل الشيخ خليفة بن سلمان، رحمه الله، آنذاك، إلا إعادة الديون إلى أصلها، ومنع الفائدة عليها، بينما في الكويت كانت تصدر على سلعة واحدة 10 أو 20 شيكاً.
أذكر يومها أن الكتلة النقدية حينها، أي في العام 1982، نحو أربع مليارات دينار، بينما بلغت الديون في "سوق المناخ" نحو 27 ملياراً.
ماذا يعني ذلك؟ أي زيادة المخاطر، وهذا ما دفع إلى محاولة الحد من الانهيار، آنذاك، عبر محاولات من الحكومة وغرفة التجارة والصناعة، لكن التدخلات النيابية منعت العدل، ولهذا تدفق الناس على النيابة العامة بشكل لافت لحفظ حقوقهم.
اليوم، وبعد ما يزيد عن 43 عاماً، و32 عاماً على تشريع القانون 41، وغيره من قوانين التشدد والحسد والضغينة، تبقى هذه المشكلة قائمة، فإذا كان أصل الديْن يومها مئة ألف دينار، أصبح اليوم نحو 4.800 مليون دينار، ولا يزال يتراكم سنوياً.
في المقابل، لو كانت تركت إدارة الأصول العينية، والأسهم والشركات، والأموال، تحت تصرف المالك – المديون، لكانت زادت تلك الأموال، ودفع ديونه، بل تطورت الحركة الاقتصادية، بينما زاد تجميدها من الضغط على الدورة المالية والاقتصادية.
في ميزانيات الحكومة السنوية، هناك بند "الديون المعدومة"، هي مبالغ مستحقة الدفع لم يتم استردادها، وللأسف إن هذه المادة توضع في الميزانية، وتختص بديون "المناخ" وغيرها، من دون النظر إلى الواقع، لهذا أصبحت اليوم، نحو سبعة مليارات دينار، وهي قابلة للزيادة.
إن هذا الديْن، يجمع الغالبية، ورثه الأبناء و الأحفاد، وهذا لا يحصل في أي دولة، إلا في الكويت، لأنه كما أسلفنا، كان بعض أعضاء مجلس الأمة يومها يريدون فرض إرادة بعض المتنفذين على بعض من سبقهم في الكسب والتكسب.
نعم، لدى الحكومة مجتمعة، حالياً، السلطة لرفع الغبن الموروث منذ عقود، أكان عبر إلغاء القانون 41/ 93، وكذلك النظر إلى المشكلات التي تركها هذا التشريع، وكذلك إنصاف أصحاب المظلوميات من الغارمين المستجدين، كي لا تتكرر الأزمة مرة أخرى، فيما أغلبهم رحلوا، ولن تتحمل الحكومة الأعباء.
الفرصة تاريخية أمام مجلس الوزراء لرفع هذا الضيم، وصدق أحمد الصراف حين قال: "إنه عقاب غير مسبوق"، فهل لدى سمو الرئيس، ومعالي النائب الأول، وكل الوزراء القدرة على الإقدام على فعل ذلك، وتخليص الناس من مظلومية عمرها نصف قرن؟
وإذا كانت التدخلات النيابية في ذلك الوقت رسخت الاستبداد، فإن مجلس الوزراء اليوم لديه القوة لإنصاف الناس.