ربما تتساءل، وأنت تطالع هذه الزاوية، عن الذي يكتبها، من هو، ولماذا يكتب،وماذا يريد قوله؟
لا ألومك،ففي هذا الزمن كثرت الكتابات والأصوات، في المحطات المختلفة، والتطبيقات، ومواقع التواصل، وصار من حق القارئ أن يسأل عن روح الكاتب، لا عن اسمه فقط.
الكاتب الذي تقرأه الآن رجلٌ حمل القلم لا ليتباهى، بل ليبني،
كتبتُ لأنني منذ صغري آمنتُ أن الكلمة تستطيع أن تُربّي، أن تُنير، وتُغيّر، وتوقظ في داخلنا ما خَفَتَ من ضوء.
مؤمن أن المعرفة المتكاملة هي السبيل لفهم العالم وصناعته. درست التربية، وسرت في دروب القانون، والعلاقات الدولية، والفقه والعقائد، والديانات، وتبحّرت بالإدارة، واطلعت على الهندسة والطب، وعلم النفس والاجتماع، واللغات، وعشت في الإعلام، وخضت غمار التنمية والتخطيط والاقتصاد، لكنّ الكلمة ظلّت بوصلتي، وظلّ الكتاب هو البيت الذي أرجع إليه مهما بَعُدَت المسافة.
من هنا، لم تكن الكتابة عندي ترفاً، بل مشروعاً متكاملاً، ولدت منه مؤلفات، ومن ثم سلاسل، فكرية وعلمية وتربوية، كتبتها للقارئ العادي كما كتبتها للمتخصص، وللطفل كما للكبير، للعربي من الخليج إلى المحيط، وللمسلم من جاكرتا إلى تركيا فالمغرب وموريتانيا ومالي فسورينام في أميركا الجنوبية، وللإنسان في كل مكان، ولمن أراد أن يعرفنا في هذا العالم المتغير.
سلسلة "كتب الجيب
– أفكار تُقرأ في كل مكان"
أحببت أن أُعيد للقراءة خفّتها، وعمقها، ومكانها الطبيعي في كل زاوية من الحياة، فأطلقت هذه السلسلة لتكون كتباً صغيرة محمولة، تُقرأ في أقل من ساعة، لكنّها تبقى في القلب طويلاً.
هل شعرت يوماً أنك تريد أن تكتب بعد تجربة عميقة، لكنك لا تعرف من أين تبدأ، أو مررت بموقف تمنيت لو أن أحداً قال لك قبله: "انتبه، هذا درس لن تنساه"؟
ومن هنا جاءت فكرة "سلسلة كتب الجيب – أفكار تُقرأ في كل مكان". كتب خفيفة، محمولة، تُقرأ في المقهى،الطائرة، الطريق، قبل النوم، لأن الحكمة لا تحتاج إلى مجلدات، بل إلى صدق.
كل كتاب لا يتجاوز 100 صفحة، لكنه يحمل أثراً عميقاً، وكلمة صافية، وفكرة تمسّ القلب.
أثرها عند القرّاء
سُئلت كثيراً من المقربين: لماذا هذه السلسلة؟
أجبت: لأني لا أحب أن أُحاضر، بل أن أُحادث، أحب الكتب التي تُقرأ في ساعة، لكنها تبقى في القلب سنوات.
وصلتني رسائل كثيرة، لم تكن مجرد آراء، بل شهادات حياة.
قال أحدهم: "شعرت أنك تكتبني".
وآخر: "أهديت الكتاب لأبي في الستين، فبكى".
وهذا وحده يكفي لأن أستمر.
هل من شيء أخير؟
نعم. أن تصل السلسلة إلى كلّ من يبحث عن عمق، وهدوء، وإنسانية في زمن السرعة.
وإن نسيت كل شيء، فاذكر فقط أن الحياة لا تُقاس بطولها، بل بما تركته في الآخرين.
من ضمن السلسلة تولدت فكرة أن نضع سلسلة "عشرة أشياء تعلمتها"، في مقدمتها، فهي ليست كتباً في التنمية البشرية، ولا وصفات للنجاح، بل رسائل قلبٍ، وتجارب عمر، ومواقف هزّتني فأردت أن أنقلها قبل أن تُنسى.
الكتاب الأول"عشرة أشياء تعلمتها بعد الثلاثين"
حين كتبت هذا الكتاب، كنت أطلّ على أولى محطات التشكّل الحقيقي. بدأت أكتشف ذاتي، أفهم قراراتي، أراجع صداقاتي، وأشعر بثقل المسؤولية.
تحدثت عن أهمية الدراسة، أول خيبات الحياة، الأصدقاء الذين بقوا، والذين اختفوا، وعن معنى أن تُكمل 30 عاماً دون أن تخسر نفسك.
لم أكتب دروساً، بل مواقف حقيقية. ولم أطرح نصائح، بل أسئلة. والقارئ، في الغالب، هو من وجد نفسه بين السطور.
الأربعون: رؤية بلا زيف
في كتاب "عشرة أشياء تعلمتها بعد الأربعين"، وقفتُ على مفترق طريق، بدأت أرى الحياة بعيون أكثر وضوحاً، لا أكثر تعباً.
تحدثت عن المعنى، الأهل، العلاقات التي اختُبرت، الطمأنينة، الإيمان الهادئ الذي يتسلل إلى القلب دون ضجيج. وأضفت حكايات صغيرة، لأن الأربعيني يحب أن يسمع قصة لا محاضرة، وأن يعيش التجربة وكأنها وقعت له.
الخمسون: سن القرار
في"عشرة أشياء تعلمتها بعد الخمسين"، كتبت عن التخلّي باختيار، لا بإجبار. عن قول "لا" دون شرح، و"كفى" دون اعتذار. عن أن تضع حدوداً واضحة لوقتك، لمشاعرك، لعلاقاتك.
كتبته وأنا أستمع كثيراً لمن هم أكبر، وأراجع نفسي. وكان أبرز ما استقر في قلبي:" كرامتك ليست موضوعاً للنقاش، ووقتك لم يعد متاحاً للعبث"
الستون: البصيرة والحكمة
لا يزال الطريق طويلاً لكنه سريع جداً، لم أبلغ الستين، لكني رافقت من بلغوها، وسمعت حكاياتهم، وتأملت ملامحهم.
في هذه السن، يبدأ الإنسان بتصفية داخله، يكتشف أن القوة ليست في الصوت العالي، بل في السكينة.
أن العلاقة التي تبقى، ليست الأكثر حماسة، بل الأكثر صفاء.
في كتاب "عشرة أشياء ستتعلمها بعد الستين"، نقلت تجارب من عايشتهم: عن دفء الأحفاد، وأثر صديق واحد بقي، وحلاوة أن تقول "لا أعلم"، دون خوف من النقص.
كتبت هذا الكتاب لأسبق به زمني، لعلّ قارئه يستفيد فيدعو لي.
السبعون: لم أكتبها وحدي
أما السبعون، فقد قابلت كثيرين ممّن بلَغوها، وجمعت منهم شهادات نادرة. وهكذا جاء كتابي الأخير في رحلة العمر:
"ماذا شاهدت بعد السبعين – من تجارب السنين".
ليس كتابي وحدي، بل دفتر مشاهدات. كل جملة فيه وُلدت من فم حكيم، وكل فكرة فيه مرآةٌ لسنواتٍ من الحياة.
قال لي أحدهم: "في السبعين، لا تزداد حكمتك فقط، بل تقلّ رغبتك في إثباتها".
وقال آخر: "كل ما حلمتُ به في الأربعين، اكتشفت أنني لست بحاجة إليه في السبعين".
كتبت هذا الكتاب لأحمل شعلة الحكمة، وأمررها لمن يسير خلفي في الطريق.