التشدد في الإجراءات مذموم، شرعاً وقانوناً، ولهذا دائماً ما تعمل المحاكم على الأخذ بروح القانون، وتستند إلى قاعدة أن الشك في مصلحة المتهم.
وعلى هذا المبدأ، يمكن المقاربة الجدية، والواقعية، لوقف الخدمات، عن أي مواطن أو حتى مقيم، لم يسدد فاتورة كهرباء، أو غرامة بلدية، أو غيرها مما يمكن أن يجعله تحت سيف منعه من الحصول على خدمات حكومية، حتى يسدد ما عليه، أو يسدد للغير ما عليه من ديون، وأن يحصل على براءة ذمة بعدها، وكأنه أُدين في جريمة جنائية.
فإذا كان المواطن في سفر لأمر ما، علاج أو غيره، وأراد الحصول على خدمة ما، جوبه بـ"بلوك" من الإدارات الحكومية كافة، وإذا كانت زوجته والدة، لم تصدر شهادة ميلاد للمولود، وغيرها الكثير مما يعرقل أعماله، ما يضع الناس في "حيص بيص".
رغم أن هناك أحكاماً من محكمة التمييز، وهي أعلى سلطة قضائية، منعت المس بحقوق الأفراد الطبيعية، ومنها خدماتهم، لأنها حقوق مكتسبة غير قابلة للوقف، ومن المعروف أن السابقة الصادرة من أعلى سلطة قضائية ملزمة، ولها قوة أكبر من النص القانوني، الذي يكون أحياناً قد أصابه العوار، بشكل أو بآخر.
ولهذا في كل دول العالم تعلو حيثيات الحكم من أعلى سلطة على غيرها، ويُؤخذ بها في المستقبل على أنها قاعدة ملزمة، ومناسبة هذا الشرح، أن المواطن الكويتي، ليس له مكان غير بلده، وبالتالي فإن الإجراءات الطبيعية المنصوص عليها دستورياً، لا يمكن وقفها، لأنها تماثل الهواء الذي يتنفسه، لذا حين توقف الخدمات عنه، كأنك، قانوناً، توقفه عن الحياة.
في كل دول العالم، المتحضرة، ليس فيها هذا النوع من الإجراءات، وقد رفعت بعض الدول الخليجية المجاورة وقف الخدمات، وآخرها دولة مجاورة أوقفت العمل بهذا الإجراء، قبل ما يزيد عن ثلاثة أشهر، حتى عن المدينين للغير، لأن الأصل في ذلك أن الغرم على المفرط، وهي بالمناسبة قاعدة فقهية شرعية وقانونية، وعلى هذا الأساس اكتفت حكومة تلك الدولة، بمنع السفر لمن عليه قضايا جنائية، وليس جنحاً بسيطة.
في الكويت لا تزال الذهنية التشريعية تقوم على مبدأ غير سليم، وهو أن كل متهم مدان حتى لو ثبتت براءته، وعلى هذا يأتي وقف الخدمات العامة للشخص، على أنه يمكن أن يهرب من وطنه، فيما هناك عشرات الإجراءات التي يمكن الأخذ بها لتحصيل الغرامات أو الرسوم أو فواتير الكهرباء وغيرها، من دون اللجوء إلى التلويح بتعليق المشنقة للمخالف.
فعندما يمنع المواطن من سحب المال من رصيده المصرفي من أجل الأكل، أو تجديد رخصة القيادة، ملكية السيارة، حتى يخلص أعماله، أو تقطع الكهرباء عن منزله، ويمكن أن يكون لديه مريض بحاجة لاستخدام أدوات كهربائية، فهذا يعني قتل غير عمد.
لذا من باب الإنصاف، نعول على سمو رئيس مجلس الوزراء، ومعالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وكذلك معالي وزير العدل النظر بهذا الأمر، وعدم وقف الخدمات عن المواطنين، ثمة حالات إنسانية عدة ممنوعة على الناس بسبب التشدد في الإجراءات غير الواقعية، وكأنها حكم بالإعدام البطيء، خصوصاً وقف الخدمات عن الغارمين، وكأن مؤسسات الدولة أصبحت محصلاً لأموال الغير.
[email protected]