"رويترز": مرتبطون بحكومة الشرع ملاحقون دولياً هاجموا 40 موقعاً ونفذوا تطهيراً عرقياً وتهجيراً
عشرات المفقودين حتى الآن.. والمهاجمون كانوا يسألون المدنيين قبل قتلهم "هل أنت سني أم علوي؟" لتحديد مصيرهم بناء على الهوية
التحقيق أكد تواطؤ سلطات الشرع وحدد تسلسل قيادة المسؤولين عن أعمال القتل من المهاجمين إلى رجال يعملون مع حكّام سورية الجدد
دمشق، عواصم - وكالات: في واحدة من موجات العنف الطائفي منذ سنوات، كشفت وكالة "رويترز" تفاصيل مروعة للمجازر التي استهدفت علويين في الساحل السوري خلال مارس الماضي، متهمة 10 فصائل بالتورط بالمذابح، مسلطة الضوء في تحقيق مدعوم بشهادات وتقارير أممية على مقتل نحو 1500 شخص في سلسلة هجمات منسقة نفذتها الفصائل المرتبطة بالحكومة السورية الجديدة، وسط اتهامات بتطهير طائفي وتواطؤ رسمي، كاشفة حملة قتل طائفية ممنهجة استهدفت الطائفة العلوية، وراح ضحيتها نحو 1500 قتيل خلال ثلاثة أيام فقط، بين السابع والتاسع من مارس.
وفيما علق المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق في مجازر الساحل السوري ياسر الفرحان على تحقيق "رويترز" بالقول إنّ اللجنة "أنهت التحقيقات تقريبا، وهي في مرحلة إنهاء الصياغة واستكمال بعض المعلومات البسيطة"، مؤكدا أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع سيتسلّم ما خلصت إليه من نتائج في غضون أسبوعَين، خلصت "رويترز" إلى أنّ نحو 1500 سوري علوي قُتلوا وأن عشرات في عداد المفقودين، مبينة أن نحو 40 موقعاً مُختلفاً شهد عمليات قتل انتقامية وهجمات استهدفت الطائفة العلوية التي لطالما جرى ربطها بنظام بشار الأسد المخلوع، وحدّد تحقيقها الذي جاء بعد نحو ثلاثة أشهر على المجازر، تسلسل قيادة المسؤولين عن أعمال القتل من المهاجمين إلى رجال يعملون مع حكّام سورية الجدد في دمشق، وألقت موجة القتل التي استمرت أياماً الضوء عن الاستقطاب المتجذّر في سورية، ولم تستطع الحكومة الجديدة التغلب عليه بين مؤيدي النظام القديم، ضمنياً أو فعلياً، وأولئك الذين كانوا يأملون نجاح الثورة على الأسد في نهاية المطاف.
ووفقًا للتحقيق، نفذت الهجمات فصائل مسلحة تعمل تحت مظلة الحكومة السورية الجديدة، ووثق التحقيق من خلال شهادات ناجين ومقاطع فيديو مسربة وصور أقمار اصطناعية، ما وصفه بـالقتل الجماعي الطائفي في سورية منذ اندلاع الصراع فيها قبل نحو عقد"، وتوزعت المجازر على نحو 40 موقعا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، شملت عمليات إعدام ميدانية، فضلًا عن إحراق منازل وتشويه جثث في بعض الحالات، وفي إحدى القرى، وحدها، سجلت 157 ضحية خلال ساعات فقط، وأشار التقرير إلى أن المهاجمين كانوا يسألون المدنيين "هل أنت سني أم علوي؟"، لتحديد مصيرهم بناء على الهوية الطائفية، في ما وصفته "رويترز" بأنه تطهير طائفي واسع النطاق.
وأشار تحقيق الوكالة أيضا إلى أن بعض الفصائل المتورطة تضم عناصر من تيارات متشددة، وبينهم مقاتلون أجانب، وتخضع تشكيلات منها لعقوبات دولية بسبب انتهاكات سابقة، ورغم نفي الحكومة الجديدة استهداف العلويين كطائفة، فإن التنسيق بين بعض تلك الفصائل ومؤسسات رسمية، بما في ذلك وزارة الدفاع، بدا واضحًا في وثائق مسرّبة عرضها التحقيق، مما يثير تساؤلات حول تورط مباشر من قيادات عليا، ورغم أن الرئيس السوري أحمد الشرع أدان هذه الانتهاكات في خطاب رسمي، متوعدًا بالمحاسبة الشاملة "حتى لو طالت مقربين منه"، لم تُعلن نتائج التحقيقات الحكومية حتى اللحظة، وسط حالة من الترقب والغموض، وفقاً لما ذكره التقرير، فيما أفادت لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير أولي صدر في يونيو المنتهي بوجود "دلائل قوية على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ذات طابع طائفي"، مطالبة بفتح تحقيق دولي مستقل ومحاسبة المسؤولين عن المجازر.
ووفق شهادات محلية وتقارير منظمات غير حكومية، فإن المجازر أدت إلى تهجير علويين من قراهم وأُفيد عن إسكان نازحين من طوائف أخرى في المناطق ذاتها، ما يعزز المخاوف من هندسة ديمغرافية تهدد مستقبل التوازن المجتمعي في الساحل السوري، واختتم تحقيق "رويترز" بتأكيد أن الطريق نحو الاستقرار في سورية لن يُفتح إلا بتحقيق العدالة والمساءلة الشفافة لجميع المسؤولين عن الجرائم، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.
الأمن العام والفرقة 400 ولواء عثمان وفرقتا السلطان سليمان شاه والحمزة
اتهمت "رويترز" نحو عشرة فصائل تضم أجانب وتخضع حالياً لسيطرة الحكومة الجديدة بالضلوع في مذابح الساحل، قائلة إن نحو نصف هذه الفصائل يخضع لعقوبات دولية منذ سنوات، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان منها القتل والخطف والاعتداءات الجنسية، ومن بين الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام سابقاً التي كشف تحقيق "رويترز" تورّطها، جهاز الأمن العام وهو جهاز فرض القانون الرئيسي، والفرقة 400 وهي فرقة من مقاتلي النخبة، ولواء عثمان، كما تورطت فصائل مسلّحة انضمت حديثاً لصفوف القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة اللتان فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهما لضلوعهما في عمليات القتل، ولم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وحدات هيئة تحرير الشام السابقة كما لم تفرض الولايات المتحدة أي عقوبات تتعلق بأعمال القتل.
ووفقاً لستة مقاتلين وقادة وثلاثة مسؤولين حكوميين، ساورت المخاوف الحكومة السورية الجديدة من فقدان السيطرة على منطقة الساحل خلال انتفاضة أنصار الأسد، وأصدرت أوامر قاطعة في السادس من مارس بسحق محاولة انقلاب من "فلول" النظام السابق. وكان عدد كبير من الرجال الذين تلقوا الأوامر، انضموا إلى صفوف قوات الأمن الحكومية الجديدة منذ شهور قليلة، وفق "رويترز"، وأشارت الوكالة إلى أنه في ذلك اليوم، اندفع بعضٌ ليفسر كلمة "فلول" على أنها تعني كل العلويين، وهم أقلية من مليونَي شخص، يحمّلهم كثيرون في سورية مسؤولية جرائم عائلة الأسد التي تنتمي لهذه الطائفة.
وكان بعض المهاجمين الذين تحرّكوا للتعامل يحملون قوائم بأسماء الرجال الذين يريدون استهدافهم، بما في ذلك أعضاء سابقون في فصائل مؤيدة للأسد حصلوا على عفو مؤقت من الحكومة الجديدة، وظهرت لاحقاً أسماء أفراد عائلات بأكملها في قوائم القتلى التي كتبها شيوخ القرى بخط اليد، ووصف عدد من الناجين كيف جرى تشويه جثث ذويهم، واحتشد مقاتلون، كثير منهم ملثمون، في معاقل الحكومة الجديدة في إدلب وحمص وحلب ودمشق، وفي مقاطع فيديو تحقّقت منها "رويترز"، ظهرت قوافل مدرّعات تنطلق إلى غرب سورية، وعَلَت صيحات طائفية من المسلّحين ليلاً.