حسناً فعلت وزارة المالية في قرارها بشأن تعديل الرسوم على لائحة بدل الانتفاع بأملاك الدولة، خصوصاً الواجهة البحرية، فهذا الأمر كان منذ زمن محل أخذ ورد، لا سيما أن الشواطىء الكويتية، كافة، مستغلة عشوائياً، ولا تمنح المواطن حرية استخدامها بالطريقة الصحيحة.
في كل دول العالم، تمنع القوانين استغلال تلك الأماكن، واحتكارها لفائدة أشخاص، أو شركات، فهناك لوائح تنظيمية، حتى للأملاك الخاصة، لأنها تعتبر متنفساً للناس، ولا يحق لأي كان التفرد بها.
حتى الأبنية القريبة من الشواطىء، تكون على نسق معين، وبشرط أن تكون المسافة بين البناء وحافة الموج 500 متر، وأحيانا 1000، كما يمنع بناء الأسوار التي تعيق الرؤية.
في الكويت، خلال الأربعين عاماً الماضية، وأكثر من ذلك، درجت عادة قبيحة، وهي البناء العشوائي للشاليهات على حافة البحر، وكأنها مخيمات لاجئين، وعدم مراعاة حرية العامة التمتع بتلك المناطق، ففي فرنسا، مثلاً، هناك تنظيم صارم يتعلق بالمنافع الكثيرة للشواطىء البحرية، كذلك قيود بحيث لا يتجاوز الاستغلال نسبة معينة من المساحة المطلة على البحر، مع الحفاظ على حرية التنقل والتنزه للمواطنين.
كذلك الأمر في إسبانيا، حيث تمنع الدولة استغلال تلك المناطق، لأنها مخصصة للسياحة والأنشطة الترفيهية، والأمر ذاته فرضته المملكة العربية السعودية في مدينة جدة، حين أمرت بهدم القصور والشاليهات المبنية على الشاطىء مباشرة، وكان بينها قصور لأمراء ورجال أعمال، ومتنفذين، وعوضتهم بأراضٍ بعيدة، كي تمنح الناس حرية التمتع بالشواطىء.
إن استغلال الأملاك البحرية العامة، بالشكل الأمثل، يؤدي فائدة كبيرة للدولة، إذ إضافة لتوفيرها ملاذات سياحية، وترفيهية، فهي تعزز الحركة الاقتصادية، وهذا ما لم يحدث في الكويت، التي ربما بعد التعديلات الجديدة، تكون هناك رؤية لستراتيجية سياحية تعزز الناتج الوطني، وتسمح بإنشاء منتجعات وفنادق، تطل على الشاطىء المتاح للعامة، ولا تعرقل حرية التنزه.
أما من ناحية أخرى، فإن قرار "المالية" انطوى على ما يمكن تفسيره بعوار لجهة الأمن الغذائي والصناعي، إذ بدلاً من توفير بيئة آمنة للمزارعين، والقسائم الزراعية، التي هي حاجة ضرورية للكويت، فإن الإبقاء على الرسوم على ماهي عليه، في وقت يعاني هذا القطاع المهم من مشكلات كثيرة، يزيد الضغط على هذا الجانب الأمني الستراتيجي.
البلاد تستورد نحو 95 في المئة من المحاصيل الزراعية، والمساحات البرية الممكنة الصالحة للزراعة، رغم أنها صحراوية، تبلغ 51 في المئة من الكويت، وهذا بحد ذاته يمثل فائدة كبيرة، إذا تيسرت الأسباب المساعدة للاستغلال الجيد لهذه المناطق.
لهذا إن الإبقاء على رسوم القسائم الزراعية، وهي بالأصل مرتفعة، وإضافة إلى الشح في المياه المعالجة، والانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، وعدم وجود حماية للإنتاج الزراعي، يؤدي في النهاية إلى زيادة تكلفة الفاتورة الغذائية.
في المقابل، إن بعض الدول المجاورة، التي طبيعتها مشابهة لنا، وضعت ستراتيجية لحماية الأمن الغذائي، ففي الإمارات، مثلاً، بلغ إسهام الزراعة وصيد الأسماك من الناتج المحلي الإجمالي 13.24 مليار درهم في عام 2023.
في المحصلة، إن رفع الرسوم على الأملاك البحرية، يهدف إلى تنظيمها، ومنع الاستغلال العشوائي، لكن في المقابل، فإن القرار مثّل صفعة للأمن الغذائي.
من المهم أن تكون أي خطوة لتحسين دخل الدولة من الرسوم والضرائب مدروسة بما يخدم تحقيق استدامة الأمن الاجتماعي في مجالين مهمين، وهما الترفيه، والأمن الغذائي.