الإصــلاح، هذا الشعار الذي يجب ألا يرفع دون أفعال، تؤكد نوايا صدق رفعه.
الإصلاح هذا الوجع الحتمي، المعركة القاسية المليئة بالجرحى والخصوم، الطريق الطويل الموحش المفروش بالشوك والأمل والمختوم بالسكينة، الذي لا يسمع سالكه إلا إزعاج كلام البشر، لكن يرضي ضميرك عندما تقدم كلام ربهم رب البشر.
الجمعيات التعاونية في الكويت، التي بدأت كمشروع رائد، بإشراك المجتمع في إدارة موارده، تعرضت عبر سنوات إلى هزات كبيرة من شبهات مالية، وسوء إدارة، وتداخل مصالح شخصية مع الأهداف العامة.
ورغم الجهود التي تبذلها الجهات الرقابية، إلا أن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا بوجود أشخاص يتحلون بالشجاعة والشفافية، وقبل هذا كله يحتسبون أجر عملهم لله، ثم الوطن، ولا لمنفعة خاصة، أو موقع اجتماعي.
إن الإصلاح الحقيقي لا ينبع من لوائح أو قرارات، بل من ضمير حي يؤمن أن الله يراقب، وكل عمل يكتب، وكل نية توزن، فقد قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
فإن أردت الإصلاح والتغيير ابدأ بنفسك، ثم امض، وإن خرج في وجهك القريب قبل البعيد، دائما أستعد لمواجهة العداء حتى من أقرب الناس، لكن لا تيأس، فطريق الحق ليس دائما معبداً، وكما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "ألا لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول الحق إذا رآه"، فما بالك بمن ينطق بالحق في وجه الفساد، المالي والإداري، وللدفاع عن حقوق المجتمع؟
الإصلاح جهاد، والأجر فيه عند الله، وهو جهاد نفس، قبل أن يكون جهاد الفاسدين، فإن قاومت الفساد فقد نقيت قلبك، وصنت رزقك، وأرحت ضميرك.
في هذا السياق لا أملك إلا أن أبرز دور المراقبين الماليين والإداريين الشرفاء، في الجمعيات التعاونية، أولئك الذين يعملون بصمت بعيداً عن الأضواء، ويؤدون دورهم الرقابي في أوقات لا يتوقعها أحد.
هؤلاء الأبطال الذين لا تحركهم دوافع مادية، بل إحساس عميق بأن عملهم جهاد في سبيل الله، لرفعة راية وطنهم الكويت، وحماية الأموال، وصون حقوق، ومصالح المساهمين، ورغم ما يواجهون من محاربة من البعض باستمرار، وتشكيك متكرر، إلا أن الكثير منهم يواصل أداء واجبه، بكل التزام، متكاتفين في سبيل الإصلاح، وإن انقلبت القلة القليلة من بعضهم، وانزلقت في طريق لا تحمد نهايته، لكن لا تقاس عليهم الأمور.
لذلك المراقبين يؤمنون أن تآزرهم ليس من أجل المنصب، بل من أجل المبدأ، هم جنود مجهولون في معركة الإصلاح، ولولا وجودهم لأنهار الكثير من الثقة المتبقية في هذا النموذج التعاوني.
لذا أقول لكل من نذر نفسه للإصلاح ووقف في وجه الفساد رغم الصعوبات لا تستهين بخطوة صادقة في طريق طويل
وثق تماماً، فهناك قول: عندما ترفرف فراشة في الصين سوف تحدث إعصاراً في أميركا. فكل موقف نزيه وكل قرار جريء، مهما بدا صغيراً، قد يكون شرارة لتحول واسع النطاق.