الثلاثاء 08 يوليو 2025
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
التراجع عن رسوم الشاليهات يهزّثقة الناس بعدالة القرار التنفيذي
play icon
كل الآراء

التراجع عن رسوم الشاليهات يهزّثقة الناس بعدالة القرار التنفيذي

Time
الأحد 06 يوليو 2025
View
270
عبدالعزيز محمد العنجري

أعيد نشر مقالي الذي طرحته عبر حسابي في منصة “إكس”، نظرًا لما أثاره من تفاعل واسع، ولأن مضمونه يتجاوز مسألة الرسوم إلى ما هو أعمق.. وهو الإحساس العام بعدالة الدولة، ومتانة النسيج الوطني، وخطورة التمييز غير المُعلن في تقويض ثقة الناس.

***

من قرر؟ غموض رسمي وتكتم حكومي

في ظل غياب التفاصيل الكاملة، لا نعلم إن كان القرار قد صدر بعلم مجلس الوزراء، أم أنه كان إجراءً منفرداً من وزارة المالية. وفي كل الأحوال، تظل مسؤولية تصحيح المسار قائمة، بمعزل عن الضغوط الفئوية.

***

3000 شاليه تحجب البحر عن المواطنين

هناك نحو 3000 شاليه موزعة على امتداد الشريط الساحلي، تستغل أراضي تُعد من الأثمن في البلاد. وتشغل مساحة البناء في كثير منها نسبة بسيطة فقط، بينما يُحتجز الباقي كفضاء خاص مغلق أمام العامة.

أين المنطق في أن تُمنح هذه المساحات لاستخدام محدود، دون مقابل يعكس قيمتها الحقيقية أو يراعي العدالة في الانتفاع؟ هذا هدرٌ لمورد نادر وحرمان للمواطنين من حقهم في الوصول إلى البحر.

فهذه الأراضي ملك عام، وما يُمنح فيها هو "حق انتفاع" موقت ومشروط، وليس ملكية دائمة. ومن واجب الدولة أن تُعيد النظر في هذا الانتفاع حين يتبيّن أنه يُكرّس الامتياز على حساب المصلحة العامة.

***

قرار الرسوم جاء بعد فوات الأوان

رفع رسوم الانتفاع بالشاليهات خطوة متأخرة لتصحيح تشوّه مزمن في توزيع الموارد، لكنها جاءت في توقيت لم تعد فيه هذه الزيادة قادرة على تحقيق أثر يُذكر، لا اقتصادياً ولا رمزياً، في ظل تفاقم التحديات المالية وضخامة الإنفاق العام.

فالقول إن هذه الرسوم مُجحفة يتجاهل أنها كانت تُمنح سنوياً برسوم رمزية، والقول إنها إصلاح حقيقي يتجاهل أنها جاءت بعد فوات أوان التغيير الجاد.

حتى لو تضاعف الرقم إلى 150 مليون دينار، فهو يظل هامشياً أمام ميزانية تُنفق فيها الدولة أكثر من 30 مليار دينار سنوياً، ما يجعله بلا أثر يُذكر في توصيف التحدي المالي الحقيقي.

***

الكويت ليست في معزل عن تجارب الأشقاء

نحن لا نعيش في عزلة عن التحوّلات الكبرى في المنطقة. السعودية أعادت تقديم نفسها للعالم، من خلال استغلال أصولها العامة، وعلى رأسها الأراضي، في مشاريع جلبت رؤوس أموال، وخلقت وظائف، ورسّخت حضورها على خريطة السياحة والاستثمار. قبلها الإمارات، وقطر، واليوم سلطنة عمان تسير على الخطى ذاتها.

المطلوب هو تحويل هذه الأراضي إلى أدوات ستراتيجية لجذب الاستثمار. تخيّل أن تطرح الدولة صندوقاً استثمارياً يتملّك 20 كيلومتراً من السواحل العامة لتطوير مدينة متكاملة: منتجعات، فنادق، مراسي، وشواطئ عامة، تُدرّ دخلاً مستداماً وتشكّل مركزاً اقتصادياً وسياحياً مفتوحاً للعالم.

مشروع كهذا قد يحقق عوائد بمليارات الدنانير، ويحوّل الأرض العامة من انتفاع محدود إلى فرصة حقيقية للنمو والاستثمار المستدام.

***

من يحتج على زيادة الرسوم…

صمت عن قرارات أشد وطأة وأعمق أثراً

اللافت أن من رفعوا صوتهم رفضاً للرسوم الجديدة، واحتجّوا بشعارات "العدالة" و"حقوق المواطن"، هم أنفسهم من صمتوا عند صدور قرارات كانت أشد أثراً وأعمق ضرراً على شرائح واسعة من المجتمع.

فلماذا لم تتحرك فيهم الغيرة إلا حين لامست الرسوم امتيازاتهم الخاصة، وما مبرر الحكومة لهذا التراجع؟

***

لا يوجد مجلس ولا توجد معارضة…

فلماذا تراجعت الحكومة؟

لطالما حُمِّل مجلس الأمة مسؤولية تراجع الحكومة عن قراراتها، بحجة الضغوط السياسية، والمساومات المرتبطة بالاستجوابات.

أما اليوم، فلا مجلس قائم، ولا معارضة نشطة، ولا حسابات تشريعية تُرهق القرار التنفيذي، فأمام من انحنت الحكومة؟ إن لم يكن أمام فئة ضيقة مستفيدة، غطّت مطالبها بشعارات الحوكمة والجدوى الاقتصادية.

هذا التراجع يطرح سؤالًا: لماذا ثبتت الحكومة ثبات الجبال أمام اعتراضات شعبية واسعة عند إقرار قوانين أثّرت على آلاف المواطنين والمقيمين، ثم تراجعت سريعاً أمام مطالب فئة محدودة، في موضوع يُفترض أنه هامشي؟

***

مشهد يرسّخ قناعة: الكويتيون

"درجة أولى" و"درجة سياحية"

لا يمكن أن نلوم من يفسر هذا التراجع الحكومي كرسالة سلبية مفادها أن بعض الامتيازات تُمنح لفئة لا تُمس، وأن نفوذها يعلو أحياناً على معايير العدالة والحزم في التطبيق.

وعندما يشاهد المواطن كيف تُحمى الشاليهات وأصحابها، وتُرفض حتى الزيادة الرمزية على رسومها، لا يبقى الكثير من الإيمان بعدالة توزّع بالتساوي على الجميع.

نحن هنا لا نزرع فقط فتنة طبقية، بل نغذي إحساساً متجذراً لدى الناس بأن هناك فعلاً كويتيين "درجة أولى" وآخرين "درجة سياحية".

بعض ممن يرفضون رسوم الشاليهات، قالوا بالأمس: "اضربوا بيد من حديد ولا تأخذكم بهم رأفة"، حين تعلق الأمر بمخالفين من الفئات الأضعف. واليوم، لا نستعيد العبارة للشماتة، بل لنطالب بعدالة لا تنتقي من تُطبّق عليه الحزم، ومن يُستثنى منه.

***

المطلوب: شدة وحزم في مواجهة

الامتياز لا الفئات الضعيفة

اضربوا بيد من حديد، لا بطشاً ولا انتقاماً، بل حماية لما تبقى من نسيج وطني بدأت بعض خيوطه تتفكك.

إن استملاك هذه الشاليهات دون تثمين، ضرورة وطنية تأخرت كثيرًا. والتراجع عنه يُفسَّر كرضوخ لضغوط خاصة.

فقد تقبّل من أُخليت شاليهاتهم في مناطق أخرى القرار بصمت، من دون شكوى أو دموع، مفضلين الصالح العام على راحتهم الشخصية.

فلماذا لا يحتمل اليوم بعض من اعتادوا الامتياز، ما قبله غيرهم دون ضجيج؟

Abdulaziz_anjri@

آخر الأخبار