كل الدول تمر في مراحل متعددة، وفق ما قاله عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته، فهي تسير من القوة إلى الضعف، وفي الحال الثانية يكثر الفساد والفاسدون، والرشى، وتعم الفوضى مؤسساتها، فينحرف مسارها إلى الانحدار، ويخاف الناس على مصائرهم.
هذه الحال لا تدوم، لأن طبيعة الدول أنها كل فترة يتيسر لها قائد مجدد، لا يرى أمامه إلا بلده واستقراره، ومصالح شعبه.
وهو لا يكون بعيداً عن الناس، ولا المؤسسات، كان يراقب بصمت، وحين تيسر الوقت المناسب، وأنعم الله على الأمة به، بدأ العمل من حيث يجب أن يكون، لأنه عارف بخفايا الأمور، مطلع على الأساليب كافة التي يمارسها الفاسدون، وكيف يهدمون المؤسسات ببطء، وأيضا مدرك نزاهة الرجال الأوفياء لوطنهم.
يتميز هذا الرجل بسبر أحوال الناس، لأنه ليس بعيداً عنهم، يعرف كل صغيرة وكبيرة، وسبب أوجاعهم، والدواء الناجع، بطريقته الخاصة، كما أنه مطلع على خفايا السياسة الدولية، فيعمل على تحييد بلاده عن الفوضى المحيطة، بحنكة وحصافة كبيرة، عبر توجيهات صارمة إلى المسؤولين ألا يكون هناك أي غبن، كي لا يتسلل الأعداء عبره إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي، و من خلال قرارات يطمئن بها شعبه.
يدرك هذا الرجل، أن ما كان يجري طوال عقود من فساد، وشلل أجهزة الدولة، لا يمكن التخلص منه بين ليلة وضحاها، إنما بالعمل المستمر، ولأن مهمته معالجة آلام شعبه، بما يكفل له استعادة الريادة التي كانت عليها دولته، قبل التراجع، فهو يعمل بهدوء، وصمت.
بعض دول الخليج العربية مرت بانتكاسات عدة، وتصور الناس أنها لن تعود إلى النهوض مرة أخرى، وأنها انتهت، وأن المسارات تشابكت، حتى خافوا على مصير دولهم، لكن تيسر لها مجددون، قادة يضعون مصلحة شعبهم نصب أعينهم، فعملوا سريعاً، لكن من دون تسرع، على تصحيح الخلل، ومكافحة الفساد، بل استئصاله من جذوره، ونهضت دولهم مرة أخرى، بل أصبحت قوة يعتد بها دولياً.
فهؤلاء القادة مؤمنون بالعدالة، والاستقرار والتنمية، والعمل بما ينفع الناس، ويسمعون كل كلمة، لأنها في ميزان الحكمة هي الأساس، يبعدون من يأتي إليهم بالأخبار غيرالصحيحة، ويقربون النزيه العامل من أجل بلده.
هذا النوع من الحكام يعمل على تعديل القوانين كي يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويجدد رونق الدولة، ويسعى جاهداً إلى مسار كله أمن وعدل، وإنصاف.
هذا الرجل القائد يكون قد حباه الله بالكثير من المميزات، لذا وضعه في الطريق الصحيح كي ينقذ شعبه ودولته في الوقت المناسب، ومنحه قوة الإرادة، ليكون متفرغاً لمتابعة كل أمور وطنه، كي يستعيد مجده مرة أخرى، ويحفظ مستقبله لعقود عدة، لأنه آل على نفسه ألا يكون هناك مظالم في بلده، فهو مدرك ما يسعى إليه شعبه، موجود دائماً بين ناسه، وأهل بلده، عارف بخصائصهم، لهذا يكون هذا القائد المجدد صانع قوة لشعبه ودولته.