لا أحد ينكر أن دولاً عربية وخليجية عدة عانت، وتعاني من فشل الإدارة، وهو ما أشاع الفساد فيها، إلى حد اُستغل المواطنون كي يكونوا خدماً لزعماء، وليس عاملين لبناء وطن، هذا ما حدث في لبنان، وكذلك العراق، وسورية، واليمن، وغيرها من الدول العربية، التي تُحكم من أبراج عاجية، فلا يُسمع أنين الناس، طالما أن صوت الزعيم يعلو بغوغائية، وهذا أدى في بعض الحالات إلى إفساد الشعوب، حين أصبح شعارها "يا رب نفسي".
في المقابل كان المفكر العربي عبدالرحمن بن خلدون، ومنذ نحو 700 عام حدد المآلات لغياب الرؤية في ستراتيجية الدولة، وكيف تبدأ بالانحدار نحو الزوال، وكيف يمكنها أن تعود إلى النهوض.
لهذا، قلنا أمس، إن بعض الدول الخليجية هددها الفساد الذي استشرى فيها إلى حد جعلها تشارف على الإفلاس، بل كادت تُقسم، وفي لحظة تاريخية يسر الله لها قيادة مسؤولة، حريصة على الوطن والشعب، أنهضتها، وعملت على عودتها إلى دورها الريادي.
في الكويت، علينا الاعتراف صراحة، أن فوضى الديمقراطية التي سادت في العقود الثلاثة الماضية، حين كانت حرية البذاءة تغطي على حرية القول المسؤول، كادت تؤدي إلى المهالك، وصدقت عليها وصفة ابن خلدون، حيال سقوط الدول، فالفساد استشرى بكل المؤسسات، وكاد يضرب القضاء، وهو الحصن الوحيد المنقذ للدول، أو كما قال ونستون تشرشل في خضم الحرب العالمية الثانية، "طالما أن القضاء بخير بريطانيا بخير".
رأينا في السنين الماضية، كيف بدأ تدخل النفوذ، النيابي وغيره، حتى في عمل المرور، وعدم مخالفة المتجاوزين، وانتشار المخدرات لغياب المحاسبة الصارمة، والفساد الإداري الذي أصبح "على عينك يا تاجر"، والنهب الممنهج للمال العام، وتحويله إلى الخارج، وكذلك وضع الرجل غير المناسب في مناصب قيادية، وهو ما قاله أحد أمراء بني أمية عند سقوط دولتهم "أمورٌ كبيرة أوليناها للصغار، وأمورٌ صغيرة أوليناها للكبار".
في هذا الأمر، لا يعفى المستشارون، إذ بعضهم، كان يرتب النصيحة وفق هواه، وهوى قبيلته أو طائفته، مخالفاً القاعدة الفقهية والقانونية "من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه"، وللأسف لم تكن هذه موجودة في قاموس الدولة حينها.
لنتحدث بصراحة، لو كان هذا الوضع استمر، وفي ظل أزمات إقليمية كبرى تعصف بالمنطقة، كما يحصل اليوم، لأصبحت الكويت خاصرة رخوة في "مجلس التعاون"، ولكانت تحولت مصنع شرور، خصوصاً أن ثمة أصحاب رؤوس حامية يعملون على إثارة الفتن القبلية والطائفية، والنزاعات المدمرة للنسيج الوطني.
لهذا رأى الكويتيون أن آخر الدواء الكي، لكن لم يكن هناك من يسمع صراخ الناس، لذا حين تيسر لهم تولي قائد لا هم له إلا وحدة شعبه، ورفاهيته العادلة، وقوته للعودة إلى الريادة التي كانت عليها بلاده، رفع سيف الإصلاح بلا محاباة، وبلا خوف أو تردد، وعمل على متابعة كل ما يجري في دولته وبأدق شؤونها.
فهو ولي أمر عارف أحوال مجتمعه، وأحواله كافة، ببعد نظر، ودرس بتأنِ كل ما يعرض عليه، يتوخى الابتعاد عن ظلم الناس، ويقسو على من ظلم، لأنه يستشعر أنه مهما صغر ذلك الظلم أفسح في المجال أن يدمر الدولة، والعبث بالصغائر يورث الكبائر، لهذا عايش المواطنون الإجراءات السامية، وإن اتسم بعضها بالشدة..
يبقى أن كل هذا يجب أن يستثمر في خير الوطن، وذلك يحتاج إلى مسؤولين لا يقدمون مصالحهم على مصلحة الوطن، فإذا أخطأوا عليهم الاعتراف بذلك، فلا يكابرون، بل يعودون عن الخطأ، لا سيما أن هناك ولي أمر يتابع عن كثب عملهم، وأن يبروا بقسمهم، وهو قسم عظيم.