حساب العقل في التراكمية بيني والوزير الربعي

شفافيات

قبل ان أحكي حكايتي ووزير التربية الاسبق المرحوم الدكتور أحمد الربعي في موضوع بعثة مقابلات المدرسين، في عدد من الدول العربية، دعوني استعرض لكم سريعا كيف يحسب المجموع التراكمي لطالب الثانوي:

1- يتم تحديد عدد الساعات المعتمدة لكل مقرر دراسي، والمعدل الذي حصل عليه فيه.

2- يتم ضرب الساعات المعتمدة لكل مقرر لحساب متوسط الدرجات.

3 - جمع كل الدرجات التي حصل عليها.

4- تتم قسمة اجمالي الدرجات، على إجمالي عدد الساعات المعتمدة ليحصل الطالب على المعدل التراكمي... او هكذا يفعلون.

وليس مهما عندي في هذا الاستعراض هذه الطريقة، او تلك التي يستعملونها في حساب المعدل التراكمي للطالب، ما ساعد العديد من الطلاب على الحصول على درجة مئة في المئة في النهاية.

وهذا عمل كما ترون حسابي ورياضي، لا دخل له في اكساب الطالب الخبرة التي تحدثنا عنها سابقا، لكن المهم عندي ان هذه العملية مجرد رياضيات، لا تعني بناء تراكميات الخبرات، وبناء ذات المتعلم، وشخصيته المتعلمة.

واليكم الآن، بعد ان عرفتم هذا، هذه الحكاية التي دارت بيني كموجه عام للتربية الاسلامية، والمرحوم الدكتور أحمد الربعي، في تسعينات القرن الماضي، ما يشهد على فشل مثل هذا النظام التراكمي المستحدث في اكساب المتعلم الخبرات المؤهلة، او التعليم المستدام.

بعد عودة بعثة وزارة التربية الكويتية من جمهورية مصر العربية الشقيقة، وبعدها عودة بعثة أخرى الى المملكة الاردنية الشقيقة، وكنت في البعثتين عضواً علمياً، طلب مقابلتي معالي وزير التربية، آنذاك، الدكتور أحمد الربعي، وسألني مستغربا: لقد سافرتَ الى دول عربية مشهورة بقدم وعراقة جامعاتها، ورجعت الينا بمجموعة من مدرسي التربية الاسلامية، ليس فيهم حاملو الامتياز، انما عدت بالاكثرية ممن حصل على مجموع جيد؛ او جيد جدا؛ ورجعت حتى باقل من نصف العدد، الذي كان مطلوباً منك ان تأتي بهم، من تلك البلاد المليئة بالحاصلين على الامتيازات؛ فما السبب؟

فقلت للدكتور الربعي: ان وزارة التربية ترسل بعثتها متأخرة، بعد كل البعثات الخليجية؛ فتكون بعثات وزارات التربية الخليجية قد لمت اصحاب الدرجات العالية من المتقدمين، وقد قابلتُ أنا في الدفعة الاولى نحو اربعمئة متقدم للعمل في الكويت، فلم ينجح منهم غير ما يعد على الاصابع، وقد مددت بعثتي على حسابي الخاص، لاعود باكبر عدد ممكن، وبعلم رئيس البعثة الرجيب، وبقيت بدلا من ثلاثة ايام رسمية كانت مقررة لي؛ بقيت خمسة عشر يوما، وعلى حسابي، ولم اعد بسوى ستين مدرساً، وكان مطلوباً مني احضار نحو مئة مدرس تربية اسلامية ونيف؛ وهذا أحد الاسباب، وهو أن المتميزين قد ذهبو إلى الدول الخليجية الأخرى.

وسبب آخر مهم للغاية، وهوانني اهتميت بإحضار اصحاب الخبرة التراكمية العلمية للمتقدم، وليس بالدرجات التراكمية، والامتياز للمتقدمين، فكان العدد الذي حصلت عليه من الحاصلين على تقدير جيد جدا وجيد، أفضل من العديد الذين قابلتهم، وهم حاصلون على امتياز.

ومن الحاصلين على امتياز دون خبرات تأهيلية، واحفظوا هذا في ذاكرتكم من فضلكم، وكان هناك عدد كبير من الحاصلين على تقدير امتياز لا يعرفون حتى قراءة القرآن، وبشكل ملفت للنظر جدا، وفي بلاد يوجد فيها افضل مقرئي القرآن في العالمين العربي والاسلامي. وقد تألم وزير التربية الربعي على سوء توقيت ارسال بعثة الكويت،إذ انها ترسل كل عام بعثتها، وتقابل من المتقدمين لها ممن يرسبون عموما في مقابلات الدول الخليجية.

واما عن المعدل التراكمي فهذا تفسيري لعدم تمكني من احضار من يحمل في عقله شهادة امتياز، ولا يحمل في حقيبته فقط شهادة تقديرها امتياز، ودون خبرة تراكميات التكوين الخبراتي البنائي المستدام. خبرات مستدامة تشكل شخصيته التعليمية.

وعودوا الى بيكاسو وقصته، وتذكروا انه قال: لقد امضيت حياتي في تعلم تلك الخبرات الفنية، فلم يجمعها بيكاسو من الخبرات التراكمية الخادعة.

ملاحظة عادية: لم اطلب من وزارة التربية تعويضي عما صرفته على السكن الفندقي، الذي اختارته الوزارة، ولا عن اي مصروف ناتج عن زيادة ايام بعثتي، على حسابي، فالمهم عندي هو رضا وراحة ضميري بالعودة بالخبرات، وليس بكناسة مخلفات متبقية.

اولئك آبائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا يا.... المجامع.

وكان رئيس البعثة الاولى المرحوم عبدالله الرجيب، ورئيس البعثة الثانية الاستاذ الوكيل عبدالله اللقمان.

كاتب كويتي