فليكن "مجلس التعاون" الخليجي هو من يكتب تلك الجغرافيا، لا من يُفرض عليه قراءتها. وإيران على الحافة… والخليج بيده المفاتيح.
نحو معادلة ردع جديدة تُعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي، فمن يكتب خريطة النفوذ المقبلة؟
ومن شظايا النفوذ إلى عقلانية الحوار الخليج بيده المفاتيح… فليحسن استخدامها، ففي الشرق الأوسط، إما أن تصنع التاريخ… أو تُبتلع فيه، والخليج، اليوم، يستطيع أن يكتبه، حين تتراجع الأيديولوجيا ويبدأ التاريخ.
المرحلة المقبلة ليست مجرد تفاهمات سياسية، إنها إعادة صياغة سردية من هو المركز، ومن هو الهامش.
هل تظل طهران حبيسة وهم القوة، أم تفهم أن التوازن مع الخليج هو مفتاح نجاتها من الداخل، لا من الخارج؟
ما حدث في الاعتداء الاسرائيلي على ايرن ليس مجرد اعتداء عسكري إسرائيلي على الداخل الإيراني، بل زلزال ستراتيجي أعاد طرح السؤال الكبير: من يملك شرعية النفوذ في الإقليم، ومن يحدد خطوط التماس الجديدة بين الشرق العربي وايران؟
للمرة الاولى منذ أربعة عقود، تجد إيران نفسها بلا غطاء، ولا صدى، فالشارع صامت، والحلفاء مرتبكون، والخليج… يدين العدوان ويراقب.
حين تظن الدول أن لديها وقتاً إلى الأبد… تنهار فجأة.
الخليج، اليوم، يملك موقعاً فريداً:
• أمنه الداخلي في أفضل حالاته.
• اقتصاده يزدهر باستقلال الطموح عن الطاقة وحدها.
• ثقله السياسي يُحسَب له، لا عليه.
• وكل من حوله يعيد التموضع.
ولذلك، لم يعد يقبل أن يُعامل كمجرد هامش جغرافي، في معركة الآخرين.
ما يريده الخليج:
1- أمن بلا ميليشيات.
2- جوار بلا تدخل.
3- شراكة بلا أيديولوجيا.
4- استقرار بلا قنبلة موقوتة على حدوده.
وما لا يريده:
1- استدعاء المذهب على حساب السيادة.
2- لغة التهديد المغلفة بالثورية.
3- تحويل اليمن أو العراق أو سورية ولبنان ورقة ضغط موسمية.
4- تصدير أزمة طهران الداخلية عبر "وكلاء الغضب".
في لحظة من أشد لحظات الإقليم تقاطعاً بين الانكشاف العسكري والاحتقان الأيديولوجي، وجدت إيران نفسها مكشوفة على طاولة الصراع الدولي، لا لأنها ضعيفة، بل لأنها معزولة ستراتيجياً.
لا تأييد للعدوان، بل ادانة له ولا شماتة، بل إدانة ممهورة بالحسابات الدقيقة، عنوانها: "نحن لسنا حلفاء العدو، لكننا لسنا أدوات للثأر".
وهنا بدأت إيران تدرك – ببطء المتألم – أنها لا تستطيع أن تستمر كقوة إقليمية، بينما تحارب كل جوارها، وتستهين بقيم السيادة، وتوظّف المذهب أداةً للتمدد. فـ"الحضارات تنهار حين تفشل في قراءة محيطها، والسياسات تنهار حين تصرّ على تكرار أخطائها، وحين تتوسع الإمبراطوريات بلا بنية أخلاقية، فإنها تتحول إلى هياكل جوفاء يسكنها الخوف".
التقديرات الخليجية بنيت على ثلاث قواعد:
1- أن زعزعة إيران لا تعني تلقائياً استقرار المنطقة.
2- أن العلاقة مع الغرب لا تعني بالضرورة التماهي مع أجندته.
3- أن أمن الخليج لا يُبنى على ضعف الجيران، بل على عقلانية التوازن.
إذا أمعنت إيران النظر في المشهد بعيون غير ثورية، فإنها سترى في "مجلس التعاون" الخليجي بوابة لإعادة الاعتراف الإقليمي بها، لا عبر الشعارات، بل بناء معادلة جديدة في المنطقة، عنوانها "أمن مشترك… لا أمن مقابل أمن".
وكلما تقدّمت العلاقات الخليجية – الإيرانية، تقلّصت الحاجة إلى استقواء بالخارج، وازداد الاعتماد على أدوات التوازن الذاتي.
ويمكن أن تصبح المنطقة منصة تكامل اقتصادي حقيقي، بدل أن تكون مسرح صراع.
إن "مجلس التعاون"، وقد راكم تجربة ستراتيجية ناضجة، عليه ألا يستدرج إلى احتضان إيران دون عقد واضح وشروط سياسية حاسمة، فالعواطف لا تبني الأمن، كما أن الصمت لا يُترجم دائماً رضى.
وإذا كانت طهران قد بدأت تدرك ذلك، فإن الوقت مناسب لصياغة إطار مستقبلي للعلاقات، قائم على:
1- عدم الانحياز للطائفية.
2- سياسة المصالح المتبادلة لا المحاور العقائدية.
3- وعي ستراتيجي بأن استقرار إيران يبدأ من علاقاتها بجيرانها، لا من تحالفها مع بُعدها الآيديولوجي.
"السياسة الكبرى تبدأ حين نتجاوز التاريخ، ونكتب ملامح الجغرافيا الجديدة بأيدينا".
فليكن "مجلس التعاون" هو من يكتب تلك الجغرافيا، لا من يُفرض عليه قراءتها.
سفير سلطنة عُمان في الكويت سابقا