ضريح سيدي"النت"... حيث سقطت حضارة الـ"باسورد"

"على غير العادة، الجو في عِزبة الخبير كان ثقيلا...

مو من الحر، ولا من رطوبة يوليو، بل من انقطاع النت"!

قال الشاب بحزن، وهو يحدّق في شاشة جواله الساكنة: "استضافنا الخبير هالويكند في عزبته العامرة، اللي صارت فجأة كأنها غرفة عمليات... بس بدون شبكة! لا بلوتوث، لا واي فاي، لا بيانات، ولا حتى شبكة جيرانهم اللي متعودين نسرق منها...واقعة"!

الخبير، وهو يصب فنجان القهوة بيده المرتعشة، قال: "يا جماعة... شفتوا بعينكم، البلد كلها وقعت على ركبها بسبب حريق سنترال واحد! أنا مش قادر أستوعب إننا في سنة 2025 ولسّه مركّبين كل خطوط الإنترنت والأنظمة الحكومية في غرفة واحدة، بسلك عريان بسنترال رمسيس، جنب الكوفي ماشين".

من مصطبة العِزبة، قال الرجل وهو منسدح على ظهره: "قبل لا أجيكم، وبناءً على طلبكم، مريت على أضخم ماركت أشتري عيش لبناني، لكن البطاقة ما اشتغلت...قلت له: عطِني خبز دين!

قال: للأسف، احنا على النظام الرقمي... ما نسجّلش شكّك"

المحامي ميره، اللي دايماً يتكلم لما يسكت الجميع، رفع رأسه وقال: "أنا عن نفسي...اعتبروني عاطل حالياً، المحكمة ما تشتغل بدون نت، والقاضي – ربنا يحفظ شبابه– أرسل لي واتساب فيه اعتذار: مفيش جلسة يا أستاذ، السيستم واقع... وربنا يسهلها المرة الجاية.

واسمعوا مني استشارة مجانية: إذا كانت بلدك تشتغل كلها من كبسة زر... فتأكد إن العطل الجاي بيخليك تكبس على زر الندم!

خلي الكاش معك دايماً... وشبكتك خليها للحبايب، لا تربط مستقبلك فيها".

دخل السائق وهو يلهث: "باشا... ملقيتش بنزين! المحطات ما تقبل البطاقات، والثالثة رفضت الفلوس الورقية لأنها مش جديدة".

الشايب طق عنده عرق القهر، وطلّع ورقة بيضاء، وقال بصوت جهوري:"هذا إقرار وتعهد مني شخصياً، بهالعِزبة المباركة، بأني راح أتَبَنّى مشروع بناء ضريح للإنترنت، ونحطه بوسط ميدان رمسيس، ونكتب عليه: هنا دُفن الاتكال الكامل على شبكة النت...ومن أراد الأمان، فليحمل الكاش.

ضحك الخبير، وهو ينفخ على شايه وقال: "فكرة عبقرية يا حاج، ونحط فوق الضريح لوحة مكتوب فيها: ضريح سيدي النت... حيث سقطت حضارتنا بثغرة واي فاي! وصدق اللي قال: اللي يربط مصيره بخيط نت، يطيح أول ما الهوى يجي من جهة السيرفر. وبعد كل اللي حصل للاسف، بيجي واحد رأسه مربع من النوع، اللي لو انقطع عنه النت، حيكتب بلاش تهويل الدنيا بخير، والنت شغال عندي زي الفل"!.

وفي ختام الجلسة، رفع المتمولس رأسه، وقال بحكمة مفاجئة:

"نصيحة اليوم، لا تطارد الفراشات... أصلِح حديقتك، وهي تجي لك لحالها".

وفي تلك اللحظة، ارتفع صوت الشيخ زغلول بالأذان، فأيقن الجميع أن مواعيد السماء لا تحتاج إلى شبكات!

كاتب كويتي

‏[email protected]