تحصين الأمن الغذائي، والاكتفاء الذاتي ليسا همَّ الكويت وحدها، بل هو هاجس دول الخليج كافة، لكن الفرق في الرؤية، والاستخدامات لمساحات الأراضي، تجعل الأشقاء يستفيدون مما لديهم من أجل تنويع مصادر الدخل.
إذ رغم الطقس المتشابه بيننا وبينهم، وبعض تلك الدول تعاني من جفاف دائم، إلا أنها عملت على تنويع مصادرها، وكذلك الاستفادة من الأراضي بشكل ذكي.
ففي معظم هذه الدول، هناك أراض للدولة، وأخرى خاصة، ولكل منها وظيفة تخدم ستراتيجية واحدة، وهي الاكتفاء الغذائي والسياحة الداخلية، ليس في فصل الشتاء فقط، إنما في كل الفصول.
وكما قرأت في صحف تلك الدول، فإن المزارع الممنوحة للمواطنين، لا اشتراطات لاستخدامها بنوع المزروعات والاستخدامات، بل سمحت في بعضها للمنتفع باقتطاع نسبة 20 في المئة أو أكثر، أو وفق ما يراه مناسباً، من مزرعته للاستخدام السياحي، والترفيه، لجذب من ليس لديهم أماكن يذهبون إليها خلال الإجازات.
هذا الأمر ساعد الكثير من مواطني تلك الدول على الاكتفاء بالسياحة الداخلية، وعدم إنفاق الأموال في الخارج، وكذلك منح أصحاب المزارع قوة التنويع في محاصيلهم من ناحية، ومن أخرى تنويع مصادر دخلهم، وتقديم خدمات يطالب بها الناس.
على العكس من كل هذا، تعمل الكويت، فهي تخصص القسائم الزراعية بشروط قاسية، ويبقى المنتفعون منها تحت سيف "سحبها"، فيما تفرض عليهم غرامات كثيرة، وغيرها من المنغصات التي تلازم صاحب المزرعة.
من المعروف أن الأرض، وكما ذكرنا في مرات عدة، قيمتها بما عليها، فيما المساحات المتروكة في البلاد شاسعة جداً، ولا يستفاد منها أبداً، بينما من ليس لديهم مزارع، أو أمكنة يذهبون إليها خلال الإجازات كثر، وحالياً مع تفعيل إذن المغادرة للمقيمين، فإن العدد سيصبح كبيراً.
إن هذا الأمر إذا تحقق يصبح هناك متنفس للناس، ولو خلال إجازاتهم الأسبوعية، وتكون هناك منتجعات صحراوية، أو زراعية، فلهذا فوائد عدة، ليس فقط التمتع بالطبيعة، إنما التثقيف بمعنى أهمية المحافظة على البيئة، وكذلك الاطلاع على العناية بالمنتج الزراعي، وأيضا تطوير منتجات سياحية جديدة ومبتكرة، مثل السياحة البيئية والترفيهية، وهذا يعني تسهيلات للاستثمار في القطاع الزراعي، ويزيد من مداخيل الدولة.
على هذا الأساس لماذا لا تعمل الحكومة بالنهج السائد في دول الخليج الأخرى، وتمنح أصحاب المزارع حرية استخدامها، بما يفيد الغرض الغذائي، وكذلك السياحي، وتضرب عصفورين بحجر واحد، بدلا من التهديد الدائم بسحب القسيمة؟
إن السحب لا يخدم أيا كان، بل هو يزيد من الاعتماد الغذائي على الخارج، وكذلك منع اقتطاع نسبة من الأرض للاستخدام السياحي، وهو أمر مفيد ومشجع لأصحاب المزارع.
فالتنمية ليست شعاراً نتباهى به، إنما عملية طويلة تتطلب رؤية دولة قادرة على مواكبة المتغيرات بما يخدم شعبها، كذلك إن حماية الأرض ليست بالعمل الأمني والعسكري، إنما أيضا بعامل مهم جداً، وهو استخدام الأرض بما يفيد الناس، وهذا لا يتحقق طالما هناك عراقيل حكومية مصطنعة تمنع تطوير المزارع، فيما المطلوب توفير حوافز للمزارعين على الإبداع بالتنوع، وطبعاً الحسد والتحاسد كثير.
إن الكويت فقيرة بالمشاريع الترفيهية، وكذلك الزراعية، وإذا استغل الأمر كما تعمل دول الخليج الأخرى، فإن هذا يوفر الكثير، ويشجع الناس على العمل في مجالات مبتكرة، ويخدم التنمية المستدامة.
لا بد من تقديم حوافز وتشجيع لمن لديه القدرة المالية لتطوير هذه الصحراء القاحلة، لذا خففوا الضغط المخلوط بالحسد والتحاسد.
إن الذين خضَّروا الصحراء دفعوا من مالهم الخاص، وكما أسلفنا سابقاً، فإن الأرض ليست برمالها، إنما بالمنشآت القائمة عليها، وعلى هذا الأساس أوقفوا القيل والقال، فليس هناك عمل من دون أخطاء، ولا نريد تغليب الخطأ على النوايا الحسنة.