الخميس 17 يوليو 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الكتابة تحرير...  والكاتب محرِّر
play icon
كل الآراء

الكتابة تحرير... والكاتب محرِّر

Time
الثلاثاء 15 يوليو 2025
View
5
عدنان مكّاوي

لم تأت صفة "محرّر" للكاتب، و"تحرير" للكتابة،أياً كان تصنيفها؛ رواية، أو شعراً، أو نثراً، وحتى مسرحية.

فكثيراً ما صنع كاتب، أو كتاب، شعباً حراً أبيّاً يرفض الذل والهوان، ليعيش معززاً مكرّماً في وطنه، وبين أهله.

ولو أردنا أن نختار كتاباً واحداً غيّر حياة شعب كامل من الاستعباد، والعبودية، والقهر، والظلم، والغبن إلى شعب حرّ أبيّ عزيز كريم، فسيكون هذا الكتاب رواية "كوخ العم توم" التي ألّفتها زوجة وربة بيت، وأم لسبعة أولاد منذ نحو مئة وخمسة وسبعين عاماً.

فقد استطاعت هذه الرواية أن توقظ الضمير الإنساني في أميركا الشمالية، وأن تؤدّي إلى ثورة، بل حرب صهرت ولايات الشمال والجنوب الأميركيين في قالب الدولة المتماسكة، التي نراها قائمة حتى اليوم، وتقرّ الحقوق المدنية لجميع السكان، بتحقيق المساواة الكاملة بين البيض والزنوج (السود).

كاتبة الرواية، وهي الأميركية (الملونة) هارييت بيتشر ستو، امرأة هزيلة الجسم، كبيرة العقل والنفس، قوية الروح، وكانت في الثانية والأربعين من العمر؛ حين شرعت في كتابة الرواية. فكانت كما يُروى عن إبراهيم لينكولن، الرئيس الأميركي الأسبق، سيدة صغيرة خلقت حرباً كبيراً، فقد هزّت قصتها أميركا هزاً، بعد أن هزت قلوب أهلها؛ كي يقتنعوا، بل ويؤمنوا أن طبيعة السلام والعدالة بين البشر؛ تقتضي المساواة التامة بين البيض والسود، الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء.

ففي أحد أيام فبراير 1851 كانت هارييت تجلس في كنيسة البلدة، شاردة، ساهمة، تداعب ذهنها فكرة غير واضحة، وفجأة رسم خيالها منظراً لأحد وكلاء المَزارع البيض، يأمر بجلد عبد مسن اشتعل رأسه شيباً، طفحت أساريره بمظاهر التقوى والطيبة، وتلقّى هذا العبد المسكين؛ لهيب السياط بصبر، لم يزد الطاغية الأبيض إلاّ طغياناً، فتظل السياط تهوى على العبد المسكين حتى يموت.

قفزت هارييت من مكانها، وانطلقت مسرعة إلى دارها، فأرسلت قلمها يرسم المنظر بعبارات قوية خالصة، فأطلقت اسم "العم توم" على الزنجي ورسيمون ليغري على جلاده الأبيض. تستمر القصة إلى الأمام...متدفقة، دافعها شعور الكاتبة المتأجج ضد الطغاة المستبدين العنصريين الظالمين، حتى وصلت القصة كاملة إلى محطتها الأخيرة، فصارت قنبلة متفجرة ظل دويها يتردد عبر الأجيال حتى اليوم.

وطبعت قصة "كوخ العم توم" ككتاب في مارس 1852، وما إن ظهرت في الأسواق، حتى بدأت الضجة تحيط بالقصة، فراحت صحف الجنوب تستهجن ما أوردت المؤلفة، وتكذّبها في عنف وحدة وتشنّج، في حين أنبرت صحف الشمال تدافع عن الكاتبة، وتعزّز ما خط قلبها المرهف الحس عن حال العبيد المنكوبين، وامتلأت رفوف المكتبات بفيض من الكتب المؤيدة، وكذلك الكتب المنكرة المكذّبة.

ثار سادة الجنوب لكرامتهم، فحرم على المكتبات الجنوبية بيع رواية "كوخ العم توم"، وحرم على القراء اقتناؤها، وكان الويل لمن يحملها، والطرد والتشريد نصيب من يروج لها أو يبيعها.

مع ذلك، انتشرت الرواية الأدبية الخالدة بالآلاف، بل بالملايين، وترجمت إلى اثنتي عشرة لغة، وذاع صيتها في كل أنحاء العالم، لا سيما في إنكلترا وفرنسا، فكان التحرر من نير الرق، والعبودية، والعنصرية في أميركا، وسجل اسم هارييت بيتشر بين الخالدين في تاريخ الأدب العالمي...ولا يزال.

كاتب فلسطيني

آخر الأخبار